للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشكلت هذه النقطة على بعض من نظر إلى أن هذا الحديث المروي عن ابن عمر معارض بحديث أبي سعيد بالنسبة لما جاء فيه: (ولا تبيعوا منهما غائبًا بناجز) ، فقال ابن عبد البر موضحًا ذلك الإشكال على ما جاء في تكملة المجموع: (وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء، لأنه يمكن استعمال كل واحد منهما، فحديث ابن عمر مفسر، وحديث أبي سعيد الخدري مجمل، فصار معناه لا تبيعوا غائبًا – ليس في ذمة – بناجز. وإذا حملا على هذا لم يتعارضا. اهـ (١) .

ومن ذلك يؤخذ أن غاية القبض هي إثبات اليد، فإذا كان ذلك حاصلا فلا ينظر للشكل في المبادلة، ولذا كان الصرف في الذمة جائزًا، سواء كان أحدهما دينًا والآخر نقدًا أو كان المبلغان عبارة عن دينين في ذمة كل من المتصارفين.

فقد جاء في المدونة ما يلي:

قلت: أرأيت لو أن لرجل عليَّ مائة دينار، فقلت: بعني المائة دينار التي لك عليَّ بألف درهم أدفعها إليك فعل، فدفعت إليه تسعمائة، ثم فارقته قبل أن أدفع إليه المائة الباقية.

قال: قال مالك لا يصلح ذلك ويرد الدراهم، وتكون الدنانير التي عليه على حالها.

قال مالك: ولو قبضها كلها كان ذلك جائزًا (٢) .

وأورد ابن رشد الخلاف في مسألة الصرف بين دينين في ذمة المتصارفين فقال: ...

المسألة السادسة: واختلفوا في الرجلين يكون لأحدهما على صاحبه دنانير وللآخر عليه دراهم هل يجوز أن يتصارفا وهي في الذمة؟

فقال مالك: ذلك جائز – إذا كان قد حلا معًا.

وقال أبو حنيفة: يجوز في الحالَّ وفي غير الحالَّ.

وقال الشافعي والليث: لا يجوز ذلك حلا أو لم يحلا (٣) .

وحجة من لم يجز العملية (الشافعي والليث) أنه غائب بغائب وقد بيَّنَّا أن قابلية الدين حالَ المطالبة لا تبقي في المسألة إلا الشكل الذي يجري فيه إبراز كل طرف ما عليه من دين للآخر، وهذا الإبراز وسيلة إبراء لا أكثر فإذا توصلنا إليه بالمصارفة فما المانع؟


(١) السبكي، الجزء العاشر: ص ١٠٥.
(٢) مالك في المدونة الكبرى، الجزء الثامن: ص ٣٩٣.
(٣) ابن رشد الحفيد، الجزء الثاني: ص ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>