للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبض الحُكْمي

١٨- إنَّ ما أسلفناه من كلام الفقهاء عن معنى القبض وضروبه وكيفيته إنما هو منصبٌّ – في الجملة – على القبض الحقيقي المُدْرَك بالحسِّ. بيد أنَّ ذلك لا يعني أنَّ القبضَ الحكمي التقديري غير سائغ عند الفقهاء بإطلاق، بل هو مقبولٌ ومعتبرٌ ومعروف لديهم في أحوالٍ كثيرةٍ، يُقَامُ فيها مقامَ القبضِ الحقيقي ويُنَزَّلُ منزلته، وإن لم يكن متحققًا حسًّا في الواقع، وذلك لضرورات ومسوغات تقتضي اعتبارَه تقديرًا وحكمًا، وترتيبَ أحكام القبض الحقيقي عليه ...

وبتتُّبع صور القبضِ الحكمي في مذاهب الفقهاء، نجد أنه سائغٌ مقرّرٌ في أربع حالات:

١٩- الحالة الأولى: عند إقباض المنقولات بالتخلية مع التمكين في مذهب الحنفية، ولو لم يقبضها الطرفُ الآخر حقيقةً، حيث إنهم يعدّون تناولها باليد قبضًا حقيقيًّا، والقبضَ بالتخلية قبضًا حكميًّا، بمعنى أنَّ الأحكام المترتبة عليه نفس أحكام القبض الحقيقي (١) .

قال الكاساني: "فالتسليمُ والقبضُ عندنا هو التخلية، وهو أن يخلّي البائع بين المبيع وبين المشتري برفع الحائل بينهما على وجهٍ يتمكنُ المشتري من التصرف فيه" (٢) . وجاء في مجلة الأحكام العدلية "تسليمُ المبيع يحصل بالتخلية، وهو أن يأذنَ البائعُ للمشتري بقبض المبيع مع عدم وجود مانعٍ من تَسَلُّمِ المشتري إيّاه. ومتى حصل تسليم المبيع صار المشتري قابضًا له" (٣) . وقال ابن عابدين: "وحاصله أنَّ التخلية قبضٌ حكمًا لو مع القدرة عليه بلا كلفة" (٤) .


(١) انظر بدائع الصنائع: ٥/٢٤٤.
(٢) بدائع الصنائع: ٥/٢٢٤.
(٣) مجلة الأحكام العدلية: (م٢٦٣، ٢٦٤) ، وانظر درر الحكام لعلي حيدر: ١/٢١٦ وما بعدها.
(٤) رد المحتار: ٤/٥٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>