للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أ) اقتضاءُ أحد النقدين من الآخرَ:

ذهب جماهيرُ أهلِ العلم إلى أنَّ المدين بنوعٍ من النقود له أن يصرفه من دائنه بنقدٍ آخر. ولّما كان الصرفُ لا يصحُّ إلا مع التقابض بالإِجماع؛ وَجَبَ على المدين أن يدفع إليه البدل من النقد الآخر في مجلس العقد، بخلاف الدائن فإنه لا يلزمُهُ أن يسلَّمه النقد المبدلَ منه، لأنَّ ثبوته في ذمة المدين قبل المصارفة يعتبر قبضًا حكميًّا واقتضاءً تقديريًّا له من دائنه، فكأنَّ الدائنَ بعد المصارفة قَبَضَهُ منه ثمَّ سلَّمَهُ ثانيةً إليه (١) .

جاء في "المغني" ويجوز اقتضاءُ أحد النقدين من الآخرَ، ويكونُ صرفًا بعينٍ وذمَّةٍ في قول أكثر أهل العلم" (٢) . وقال العلامة الأبّي " لأنَّ المطلوبَ في الصرف المناجزةُ، وصرفُ ما في الذمة أسرعُ مناجزةً من صَرْفِ المعَيَّنَات؛ لأنَّ صرفَ ما في الذمة ينقضي بنفس الإِيجاب والقبول والقبضِ من جهة واحدة، وصرفُ المُعَيَّنَات لا ينقضي إلابقبضهما معًا، فهو مُعَرَّضٌ للعدول، فَصَرْفُ ما في الذمة أولى بالجواز" (٣) .

واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: كنتُ أبيعُ الإِِبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذُ مكانها الدراهمَ، وأبيع بالدراهم وآخذُ مكانها الدنانير، آخذُ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فسألتُهُ عن ذلك، فقال: ((لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيءٌ)) (٤) .

قال الشوكاني: "فيه دليلٌ على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعًا، بل الحاضرُ أحدُهما وهو غير اللازم، فدلَّ على أنَّ ما في الذمة كالحاضر" (٥) .


(١) شرح السنَّة للبغوي: ٨/١١١، ١١٣.
(٢) المغني لابن قدامة (ط. مكتبة الرياض الحديثة) : ٤/٥٤.
(٣) شرح الأبّي المالكي على صحيح مسلم: ٤/٢٦٤.
(٤) الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي والدارقطني وابن ماجه وغيرهم. (انظر سنن البيهقي: ٥/٢٨٤، بذل المجهود: ١٥/١٢، سنن الدارقطني: ٣/٢٤، سنن ابن ماجه: ٢/٧٦٠، عارضة الأحوذي: ٥/٢٥١، المستدرك: ٢/٤٤، التخليص الحبير: ٣/٢٥) .
(٥) نيل الأوطار: ٥/١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>