للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) المقاصَّة:

وذلك إذا انشغَلتْ ذمةُ الدائن بمثل ما له على المدين في الجنس والصفة ووقت الأداء، برئَتْ ذمةُ المدين مقابلةً بالمثل من غير حاجةٍ إلى تقابض بينهما، ويسقطُ الدينان إذا كان متساويين في المقدار، لأنَّ ما في الذمة يعتبر مقبوضًا حكمًا. فإن تفاوتا في القدر، سقط من الأكثر بقدر الأقل، وبقيت الزيادةُ، فتقعُ المقاصَّةُ في القدر المشترك، ويبقى أحدهما مدينًا للآخر بما زاد (١) .

(ج) تطارُح الدَّيْنَيْن صرْفًا:

ذهب الحنفية والمالكية وتقي الدين السبكي من الشافعية وتقي الدين ابن تيمية من الحنابلة إلى أنه لو كان لرجل في ذمة آخر دنانير، وللآخر عليه دراهم، فاصطرفا بما في ذمتيهما، فإنه يصح ذلك الصرف، ويسقط الدينان من غير حاجة إلى التقابض الحقيقي – مع أنَّ التقابض في الصرف شرطٌ صحته بإجماع الفقهاء – وذلك لوجود التقابض الحكمي الذي يقوم مقام التقابض الحسيّ. وقد عللوا ذلك "بأنَّ الذمةَ الحاضرةَ كالعين الحاضرة" (٢) و"بأنَّ المدين في الذمة كالمقبوض" (٣) . قال ابن تيمية: "فإنَّ كلا منهما اشترى ما في ذمته – وهو مقبوض له – بما في ذمة الآخر، فهو كما لو كان لكلًٍّ منهما عند الآخر وديعةٌ فاشتراها بوديعته عند الآخر" (٤) .

غير أنَّ المالكية اشترطوا أن يكون الدينان قد حلا معًا، فأقاموا حلول الأجلين في ذلك مقام الناجز بالناجز، أي اليد باليد.


(١) انظر (م ٢٢٤، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٣٠، ٢٣١) من مرشد الحيران لقدري باشا.
(٢) تبيين الحقائق: ٤/١٤٠، رد المحتار (بولاق ١٢٧٢ هـ) ٤/٢٣٩، الخرشي: ٥/٢٣٤، الزرقاني على خليل: ٥/٢٣٢، منح الجليل: ٣/٥٣، إيضاح المسالك للونشريسي: ص ١٤١، ٣٢٨، مواجب الجليل: ٤/٣١٠، بداية المجتهد: ٢/٢٢٤، الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية، ص ١٢٨، طبقات الشافعية لابن السبكي: ١٠/١٣١، شرح الأبّي على صحيح مسلم: ٤/٢٦٤، نظرية العقد لابن تيمية: ص ٢٣٥. وخالف في ذلك الشافعية والحنابلة، ونصُّوا على عدم جواز صرف ما في الذمة إذا لم يُحْضِرْ أحدهما أو كلاهما النقدَ الوارد عليه عقد الصرف، لأنه يكون من بيع الدين بالدين. (انظر الأم: ٣/٣٣، تكملة المجموع للسبكي: ١٠/١٠٧، شرح منتهى الإِرادات: ٢/٢٠٠، المبدع: ٤/١٥٦، المغني: (ط. مكتبة الرياض الحديثة) ٤/٥٣، كشاف القناع: (مط. الحكومة بمكة ٣/٢٥٧) .
(٣) التمهيد لابن عبد البر: ٦/٢٩١.
(٤) نظرية العقد لابن تيمية: ص ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>