للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وأمّا عدم الحاجة للإذن بالقبض، فلأنَّ إقراره له في يده بمنزلة إذنه في قبضه، كما أنَّ إجراءه العقد الموجب للقبض مع كون المال في يده يكشف عن رضاه بالقبض، فاستغني عن الإِذن المشترط في الابتداء، إذْ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.

* وأمّا عدم الحاجة إلى مضيّ زمان يتأتي فيه القبض، فلأنَّ مضيّ هذا الزمان ليس من توابع القبض، وليس له مدخل في حقيقته في هذه الحال ... نعم، لو كان القبضُ متأخرًا عن العقد؛ لاعتبر مضيُّ الزمان الذي يمكن فيه القبض، لضرورة امتناع حصول القبض بدونه، وأمّا مع كونه سابقًا للعقد فلا.

- وقد وافقَ الشافعيةُ المالكيةَ والحنابلةَ على نيابة القبضِ السابق منابَ القبض المستحق اللاحق، سواءٌ أكانت يد القابض بجهة ضمان أو بجهة أمانة، وسواءٌ أكان القبضُ المستحق قبضَ أمانة أو ضمان، غير أنهم اشترطوا لصحة ذلك أمرين:

(أحدهما) الإِذنُ من صاحبه إنْ كان له في الأصل الحقُّ في حبسه؛ كالمرهون والمبيع إذا كان الثمن حالا غير منقود. أما إذا لم يكن له هذا الحق، كالمبيع بثمن مؤجلٍ أو حالٍّ بعد نقد ثمنه، فلا يشترط عند ذلك الإِذن.

وسببُ اشتراط الإِذن من مستحقَّ حبسه في الأصل، هو عدم جواز إسقاط حقّه بغير إذنه، كما لو كانت العين في يده.

(والثاني) مضيّ زمان يتأتي فيه القبض إذا كان الشيءُ غائبًا عن مجلس العقد. لأنه لو لم يكن في يده لاحتاج إلى مضيّ هذا الزمان ليحوزّه ويتمكن منه، ولأنّا جَعَلْنا دوام اليد كابتداءِ القبض، فلا أقل من مضي زمان يتصور فيه ابتداء القبض. ولكنْ لا يشترط ذهابُهُ ومصيرُهُ إليه فعلا (١) .

- أمّا الحنفية، فمع ميلهم إلى نفس الاتجاه الذي نحا إليه بقية الفقهاء في المسألة، فقد أقاموا رأيهم فيها على مبنى آخر، وهو أنَّ القبض الموجود وقت العقد إذا كان مثل المستحق بالعقد، فإنه ينوبُ منابه. يعني أن يكون كلاهما قبض أمانة أو قبض ضمان، لأنه إذا كان مثله أمكن تحقيق التناوب؛ لأنَّ المتماثلين غيران ينوبُ كلُّ واحد منهما مناب صاحبه ويَسُدُّ مسدَّه، وقد وُجِدَ القبضُ المحتاجُ إليه.


(١) المجموع شرح المهذب: ٩/٢٨١، مغني المحتاج: ٢/١٢٨، روضة الطالبين: ٤/٦٦ –٦٨، فتح العزيز: ١٠/٦٥-٧١، المهذب: ٢/٣١٢ وما بعدها، الأم (ط. بولاق) : ٣/١٢٤، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: ٢/٨٢، التنبيه للشيرازي: ص ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>