للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا إذا اختلف القبضان، بأنْ كان أحدهما قبضَ أمانة والآخرُ قبض ضمان، فينظر: إنْ كانَ القبضُ السابق أقوى من المستحق، بأن كان السابق قبضَ ضمان والمستحق قبضَ أمانة، فينوبُ عنه؛ إذْ به يوجد القبضُ المستحق وزيادة. وإن كان دونه، فلا ينوبُ عنه؛ وذلك لانعدام القبض المحتاجِ إليه، إذْ لم يوجد فيه إلا بعضُ المستحق، فلا ينوبُ عن كلّه.

وبيان ذلك: أنَّ الشيءَ إذا كان في يد المشتري بغصب أو كان مقبوضًا بعقد فاسد فاشتراه من المالك بعقد صحيح، فينوبُ القبضُ الأول عن الثاني. حتى لو هلكَ الشيءُ قبل أن يذهب المشتري إلى بيته ويصل إليه أو يتمكن من أخْذِهِ، كان الهلاكُ عليه لتماثلِ القبضين من حيث كونُ كل منهما يوجبُ كون المقبوض مضمونًا بنفسه.

وكذا لو كان الشيءُ في يده وديعةً أو عاريّة، فَوَهَبَهُ منه مالكه، فلا يُحتاج إلى قبض آخر. وينوبُ القبضُ الأول عن الثاني، لتماثلهما من حيث كونهما أمانةً.

ولو كان الشيءُ في يده بغصب أو بعقد فاسد، فوهبه المالك منه، فكذلك ينوبُ ذلك عن قبض الهبة، لوجود المستحقّ بالعقد، وهو أصل القبض وزيادةُ ضمان.

أمّا إذا كان المبيعُ في يد المشتري بعارية أو وديعة أو رهن، فلا ينوبُ القبض الأول عن الثاني، ولا يصير المشتري قابضًا بمجرد العقد؛ لأنَّ القبضَ السابقَ قبضُ أمانةٍ، فلا يقوم مقام قبض الضمان في البيع، لعدم وجودِ القبضِ المحتاج إليه (١) .

٢٢- الحالة الرابعة: تنزيل إتلاف العين منزلةَ قبضها، وذلك كما إذا أتلف المشتري المبيعَ وهو في يد البائع، حيث نصَّ جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة على أنَّ ذلك الإِتلاف يعتبر قبضًا، لأنَّ القبض يتحقق بإثبات اليد والتمكن من التصرف والإِتلافُ تصرّفٌ فيه حقيقةً، فكان قبضًا من باب أولى، إذ التمكن من التصرف دون حقيقة التصرف. . كما أن صدور الإتلاف من المشتري ينطوي على إثبات اليد فعلا، إذ لا يتصور وقوعه منه مع تخلف هذا المعنى، فكان الإِتلاف بمنزلة القبض ضرورة (٢) .


(١) مجمع الضمانات للبغدادي: ص ٢١٧، بدائع الصنائع: ٥/٢٤٨، ٦/١٢٦ وما بعدها، الفتاوى الهندية: ٣/٢٢ وما بعدها، الفتاوى الطرسوسية: ص ٢٥٣، رد المحتار (ط. الحلبي) : ٥/٦٩٤، شرح المجلة للأتاسي: ٢/١٩٣.
(٢) بدائع الصنائع: ٥/٢٤٦ وما بعدها، رد المحتار (ط. الحلبي) : ٤/٥٦١، شرح المجلة للأتاسي ٢/٢٠٦، شرح منتهى الإِرادات: ٢/١٩١، كشاف القناع (مط. الحكومة بمكة) : ٣/٢٣١، مغني المحتاج: ٢/٦٦ وما بعدها، روضة الطالبين: ٣/٤٩٩ وما بعدها، المجموع شرح المهذب: ٩/٢٨١، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص ١٩٢. وقال الشافعية: إنما يعتبر إتلاف المشتري قبضًا إذا علم أنه يتلف المبيع. أما إذا لم يعلم، فوجهان، بناء على القولين فيما إذا قدّم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلا، هل يبرأ الغاصب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>