وأنت ترى كثرة اختلافهم في تحديد المسافة، والأولى أن لا يختلف المسلمون مثل هذا الاختلاف في مثل مسألة كهذه، وأرى أن القول القريب إلى الحق وإلى الوحدة واجتماع كلمة المسلمين عقلا ونقلا هو قول الجمهور المار بنا آنفا.
فلا بد أن نلاحظ ونناقش استدلال الفرق بحديث كريب
ملاحظة بسيطة حول الاستدلال بحديث كريب السابق:
اعلم يا أخي القارئ أن الحجة في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس.
والمشار إليه بقوله " هكذا أمرنا رسول الله " في آخر الحديث هو قوله " فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه".
ففي أي وقت سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وفي أي حديث صرح به ابن عباس هذا المرفوع؟ وأين الأمر الكائن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أشار ابن عباس؟ هذه التساؤلات تحتاج إلى أجوبة.
وقد قال الشوكاني: " أن الأمر الكائن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) .
وهذا - كما نرى - لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب عام لكل من يصلح له من المسلمين.
فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم، أهل البلدان الأخرى أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم؛ لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم.
ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر، لكان عدم اللزوم مقيدا بدليل العقل، وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع - وليس بين الشام والحجاز ذلك البعد وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد، وليس بحجة.