ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك عالم أن الأدلة العقلية والنقلية قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها، وسواء كان بين البلدين أو القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أو لا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل.
ولو سلمنا صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص - على سبيل الفرض والتقدير- لكان الأولى أن يقتصر على محل النص، أن كان النص معلوما، أو على المفهوم منه أن لم يكن معروفا لوروده على خلاف القياس.
وابن عباس لم يأت بلفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بمعنى لفظه - في هذا الخبر - حتى ننظر في عمومه وخصوصه، وإنما جاء بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة، هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام أن سلمنا أن ذلك هو المراد ولا نفهم منه غير ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك المفهوم. انتهى.
أما الاستدلال بالحديث الثاني ((إن لكل قوم هلالهم)) :
فقد عبر ((القوم)) لا البلاد ولا المسافة مما نحن بصدده، وإن سلمناه على ظاهره، فإن كريبا الذي سأله ابن عباس رؤية الهلال هناك وأجابه بقوله:" نعم رأيته" هو من قومه من أهل المدينة فلماذا لم يقبله إن أسند هذا الحديث لعدم قبوله؟
فمن هذا نعلم أن ابن عباس لم يسند هذا الحديث لعلمه، ولا حديث الشيخين، بل اجتهد، والمجتهد يصيب ويخطئ ومن هذا كله يتأكد لنا صدق القول الآتي: " أن بداية الشهر- رمضان - وشعبان - وشوال- وغيرها يثبت برؤية عدل موثوق به في حالة صفاء السماء، وبإكمال عدة الشهر ثلاثين، وأن ثبوت الشهر بهذا في بلد إسلامي يعم جميع البلدان إذا بلغ.