أخي القارئ، أن قرأت ما في هذه الرسالة من مواضع دراسة الشهور العربية القمرية الإسلامية وفهمت ما فيها من أعمال مرتبطة بها، وما احتوته من أقوال الفقهاء وأدلتهم في ثبوت بداية الشهر، وحكم اختلاف المطالع وأوقفت على مقارنتي المتواضعة بين أقوالهم وأدلتهم، والتمست استخلاص القول المؤيد بالأدلة القوية فلا تنس أن تقرأ هذه الخاتمة لأنها خلاصة ما مر بنا في الأبواب السابقة.
فيها خلاصة القول السديد فيما مر بنا من بداية الشهر وحكم المطالع.
اعلم يا أخي المسلم القارئ أنه قد مر بنا في هذه الرسالة المتواضعة أمور لا بد لنا أن نستخلصها ونكتبها منفردة في هذا المكان.
فقد علمنا أن الشهور العربية الإسلامية في عرف الشريعة هي الشهور القمرية الاثنا عشر المعروفة، وأنها هي التي يقع عليها كل حكم استند إلى زمن وعبر به اسم الشهر ما عدا مواسم الزراعة والحرارة البرودة.
وأن من تلك الشهور ما تعلقت بها أحكام وأعمال إسلامية خاصة كحرمة القتال في أشهر منها، وكأداء الحج في أشهر، وكالصيام المفروض أصالة.
وأنها هي المقصود من قوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} فهي أشهر قديمة المقدار، وخالدة الحرمة والتوقيت، فمنها أشهر حرم، لا تؤخر لحرمتها إلى غيرها ولا تنسوا لأن الله هو الذي يقول:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا}
وإن تلك الأشهر هي المقصودة بقوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وقوله جل وعلا {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وقوله سبحانه {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}
وأنها هي المراد في قوله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} لأن الأهلة جمع هلال والهلال هو القمر ما لم يكتمل نوره ولكن العرب تعبر الهلال عن الشهر كما تعبر الشهر عن الهلال.