كل الآلات الحديثة الموصلة للتعاقد لا تعدو أن تكون في حالتين اثنتين:
١- الحالة الأولى: إما أن تكون مساوية للهاتف والبرق بالسرعة في الاتصال وقوته ووضوحه.
٢- الحالة الثانية: أن تكون أشد من الهاتف والبرق في سرعة الاتصال وقوته ووضوحه.
وقد حكم الفقهاء المعاصرون كالشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله في رسالته آنفة الذكر بالنسبة للبرق (التلغراف) بصحة التعاقد والتصرفات المالية كلها، ومثل ذلك يقال في الهاتف أيضا وقد نص عليه غير واحد من المعاصرين كما مرّ.
فإذا كانت هذه الآلات الجديدة مثل البرق والهاتف مساوية لها في سرعة الاتصال وقوته ووضوحه كالأنترفون وما شابه، جاز التعاقد وكان ذلك قياسا أو أخذا بمبدأ دلالة النص المساوي (معنى الخطاب) عند أصوليي الحنفية أو ما يسميه الجمهور من أصوليي المتكلمين (مفهوم الموافقة المساوي) ، وإذا كانت هذه الآلات الجديدة أكثر من البرق والهاتف سرعة ووضوحا وقوة حكمنا بجواز التعاقد وسائر التصرفات المالية أخذا بمبدأ دلالة النص الأولوي (فحوى الخطاب) عند أصوليي الحنفية أو (مفهوم الموافقة الأولوي) عند الجمهور من المتكلمين أي صح ذلك من باب أولى. وذلك كالتلكس والفاكسميلي والأقمار الصناعية وما شابه ذلك.
***
(ب) ضوابط الموضوع:
يضبط الحكم بالجواز في هذه المسألة ضوابط ثلاثة استخلصتها بالاستقراء من مدونات الفقهاء.
* الضابط الأول: اشتراط وجود التثبت من كل من المتعاقدين بشخصية صاحبه المتعاقد الثاني وصحة ما تنسب إليه الآلة الحديثة من أقوال وتصرفات، كي لا يدخل اللبس والوهم والتزييف من أحد الطرفين أومن ثالث، ونترك لكل من المتعاقدين أن يتثبت هو من ذلك كله بالطرق التي يطمئن بها قلبه، إلى صحة القول والقائل.
* الضابط الثاني: في حالة وصول الإيجاب ومضي فترة زمنية عادة قبل وصول القبول في بعض آلات الاتصال الحديثة، يشترط أن لا يرجع الموجب عن إيجابه أمام شهود، وإلا بطل الإيجاب وصار القبول الآتي بعد ذلك إيجابا يحتاج إلى قبول، وذلك على قول جمهور الفقهاء، خلافا للمالكية الذين يشترطون لصحة الرجوع عن الإيجاب مضي مدة على وصوله إلى المتعاقد الثاني تكون فرصة له يقرر العرف مداها.
واشترط الجمهور لصحة الرجوع من الموجب شرطين:(١) أن يكون الرجوع أمام شهودِ شُهودٍ، (٢) وأن يكون قبل قبول المتعاقد الآخر، ووصول الرسالة أو الخطاب.