* ثالثًا: وإنما اشترط اتحاد المجلس في البيع ونحوه، لأن الإيجاب يحتاج إلى جواب يلاقيه فوجب أن يكون القبول عقب الإيجاب مباشرة حتى يتصور الانعقاد بينهما، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، وقال الحنفية والمالكية: يجوز أن يتراخى القبول إلى آخر المجلس ولو طال الزمن بينهما ما دام المجلس على حاله لم يتخلل فيه القبول والإيجاب ما يدل على الإعراض من كل واحد من المتعاقدين.
* رابعًا: وكما يكون كل من الإيجاب والقبول بالقول أو بالتعاطي على خلاف فيه بين الفقهاء كذلك يكونان أو أحدهما بالرسالة أو الكتابة وكل واحد من المتعاقدين في مكان غير المكان الذي فيه الآخر. وجدير بالذكر أن الرسالة في لسان الفقهاء يعبر بها عن الرسول بأن يرسل شخص إلى آخر رسولًا ويقول للرسول: إني بعت داري هذه من فلان الغائب بكذا فاذهب إليه وقل له: إن فلانًا أرسلني إليك وقال لي: قل له: إني بعت داري الفلانية من فلان بكذا، فذهب الرسول وبلَّغ الرسالة فقال المشتري في مجلسه ذلك: قبلت، انعقد البيع، لأن الرسول سفير ومعبر عن كلام المرسل، ناقل كلامه إلى المرسل إليه، فكأنه حضر بنفسه وأوجب البيع وقبل الآخر في المجلس. وفي هذا قلت المادة (١٤٥٠) من مجلة الأحكام العدلية: (الرسالة هي تبليغ أحد كلام الآخر إلى غيره من دون أن يكون له دخل في التصرف، ويقال للمبلِّغ رسول، ولصاحب الكلام مرسل، وللآخر مرسل إليه (١) .
* خامسًا: أما التعاقد عن طريق الكتابة وما في معناها مما استجد من أمور كالتلكس والبرق وكذلك عن طريق الهاتف أو اللاسلكي وما في معناهما مما ينقل الكلام بين غائبين ولكن مباشرة بحيث يسمع كل منهما الآخر وقت صدوره فهو محور الكلام وسنتكلم عليه من جوانبه المختلفة في بحثين:
الأول: ونبحث فيه التعاقد عن طريق الكتابة وما في حكمها كالتلغراف أو التلكس وما يشبههما من وسائل الاتصال الأخرى، ونذكر مذاهب العلماء في التعاقد عن طريق الكتابة ثم نستظهر حكمه في القوانين الوضعية.
والثاني: ونخصصه للتعاقد عن طريق الهاتف واللاسلكي متلمسين ما يقارب ذلك مما ورد التمثيل به في المؤلفات ثم منزع القوانين الوضعية فيه.
(١) الكاساني: ٦/٢٩٩٤، فتح القدير: ٦/٢٥٤، ٢٥٥، مجلة القانون والاقتصاد – السنة الرابعة – العدد الخامس: ص٦٥٤ وما بعدها، المجموع: ٩/١٦٩ وما بعدها.