للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧- أن تكون صيغة الإيجاب والقبول بلفظ الماضي:

يؤثر فقهاء المسلمين صيغة الماضي لانعقاد العقد، لأنها تعتبر مظهرًا واضحًا للتعبير عن الإرادة في مرحلتها النهائية، الإرادة التي تجاوزت دور التردد والتفكير والمفاوضة والمساومة إلى دور الجزم والقطع والبت والحسم، أما غيرها من صيغ المضارع والأمر والاستقبال فلأنها تحتمل الحال والاستقبال، ولأن الصيغة لا بدّ من أن تتمحض للحال دون الاستقبال، كذلك وجب الرجوع في هذه الصيغة إلى الظروف والملابسات، فإن دلت الصيغة بطريق الاقتضاء على الحال انعقد العقد (١) .

وفي ذلك يقول الكاساني: إن الإيجاب والقبول قد يقع بصيغة الماضي وقد يقع بصيغة الحال، أما صيغة الماضي فيتم الركن بها، لأنها وإن كانت للماضي وضعًا لكنها اعتبرت إيجابًا للحال في عرف أهل اللغة والشرع، والعرف قاضٍ على الوضع.

ومثل صيغة الماضي ما إذا كان الإيجاب بلفظ الحال والقبول بلفظ الماضي كأن يقول البائع: خذ هذا الشيء بكذا، أو: أعطيتك بكذا، أو: هو لك بكذا، فيقول المشتري: قبلت، أو: رضيت، فالعقد يتم في هذه الحالة (لأن كل واحد من هذه الألفاظ يؤدي معنى البيع وهو المبادلة، والعبرة للمعنى لا للصورة) (٢) .

وإذا كان الإيجاب والقبول بلفظ الحال، وكانت نية المتبايعين متجهة إلى إبرام العقد، فالركن يتم في هذه الحالة، مثال ذلك: إذا قال البائع: أبيعه منك بكذا وقال المشتري: أشتريه، ونويا الإيجاب فقد تم الركن أيضًا. وقد علل الكاساني سبب وجوب النية في هذه الصيغة وإن كانت صيغة أفعل للحال في الصحيح، لأنه غلب استعمالها للاستقبال إما حقيقة أو مجازًا فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية. (٣) .

أما انعقاد البيع بصيغة الاستفهام، فلا تصح باتفاق الفقهاء، فلو قال رجل لآخر: أتبيعني هذه السلعة بكذا أو أبعتها مني بكذا، فأجابه الطرف الآخر بالقبول، لا يتم العقد ما لم يقل الطرف الأول وهو المشتري اشتريت (٤) .

وهل ينعقد بصيغة الاستقبال وهي صيغة الأمر، بأن يقول المشتري للبائع: بع هذا الثوب مني بكذا، فيقول البائع: بعت، فعلى رأي الأحناف لا ينعقد البيع ما لم يقل المشتري: اشتريت، ومثل هذه الصيغة أيضًا في الحكم ما إذ قال البائع للمشتري: اشتر مني هذا الشيء بكذا، فقال: اشتريت، فلا ينعقد البيع أيضًا ما لم يقل البائع: بعت (٥) .


(١) الأستاذ السنهوري في مصادر الحق: ١/٨٥.
(٢) انظر الكاساني في البدائع: ٦/٢٩٨٣.
(٣) انظر الكاساني في البدائع: ٦/٢٩٨٣.
(٤) البدائع: ٦/٢٩٨٣، ابن قدامة في المغني: ٣/٤٨١.
(٥) الكاساني في البدائع أيضًا: ٦/٢٩٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>