للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه -: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما)) . فجميع الروايات الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن قد ربط فيها الصوم والإفطار برؤية الهلال الجديد والقدر أو التقدير الوارد عندما تمتنع الرؤية البصرية لعارض يحجبها من غيم أو ضباب أو مانع آخر معناه إكمال الشهر القائم - شعبان أو رمضان - ثلاثين يوما، فلا يحكم بأنه تسع وعشرون إلا بالرؤية وهذا من شئون العبادات التي تبنى فيها الأحكام على النص تعبدا دون نظر إلى العلل، ولا إعمال للأقيسة.

هذه حجة من لا يقبلون الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية لأجل العبادات المرتبطة شرعا بها ولو بلغ الحساب الفلكي من الصحة والدقة مبلغ اليقين بتقدم علمه ووسائله.

ونقول نحن بدورنا: أن كل ذلك مسلم به لدينا، وهو معروف في قواعد الشريعة وأصول فقهها بشأن العبادات ولا مجال للجدل فيه، ولكنه مفروض في النصوص التي تلقى إلينا مطلقة غير معللة فأما إذا ورد النص نفسه معللا بعلة جاءت معه من مصدره فإن الأمر حينئذ يختلف، ويكون للعلة تأثيرها في فهم النص وارتباط الحكم بها وجودا وعدما في التطبيق ولو كان الموضوع من صميم العبادات.

إن هذا الحديث النبوي الشريف الآنف الذكر ليس هو النص الوحيد في الموضوع، بل هناك روايات أخرى ثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توضح علة أمره باعتماد رؤية الهلال البصرية للعلم بانقضاء الشهر القائم، وحلول الشهر الجديد الذي نيطت به التكاليف والأحكام، من صيام وغيره.

فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة - رضي الله عنها - في كتاب الصيام من صحيحه (باب: الصوم لرؤية الهلال) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما)) .

وأخرج أيضا بعده عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، والشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين)) اهـ.

ومفاد هذا الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام - أشار (أولا) بكلتا يديه وبأصابعه العشر ثلاث مرات، وطوى في الثالثة إبهامه على راحته لتبقى الأصابع فيها تسعا وعشرين وتارة ثلاثين.

<<  <  ج: ص:  >  >>