للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد عبر أستاذنا صلاح الدين الناهي عن أساس هذه المشكلة بقوله: (من المشكلات التي يثيرها التعاقد بالتليفون أنه كيف يمكن حمل التعاقد بالتليفون على العقد بين حاضرين ليجري هذا الحمل على إطلاقه – أي من حيث الزمان والمكان – فتكون العبرة بزمن الصدور ومكانه، أم يقتصر على الزمان؟ وهل لزيادة مصطلح مجلس العقد ما يساعد على حل هذه المعضلة باعتبار مجلس العقد يعتبر فيه الطرفان حاضرين من حيث المكان؟ أم ينبغي القول بأن اعتبار الطرفين حاضرين من حيث المكان في حالة التعاقد بالتليفون قياس مع الفارق، لأن هذا الاعتبار مما يخالف طبيعة الأشياء) (١) .

والرأي القانوني السائد، هو أن التعاقد بالهاتف وما شابهه من وسائل الاتصال الحديثة ليس تعاقدًا بين حاضرين من كل وجه ولا بين غائبين من كل وجه، فالمتعاقدان لا يضمهما مجلس واحد وليس ثمة فاصل زمني بين القبول والعلم به، لذا ساد القول بأنه تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان لعدم الفاصل الزمني، وبين غائبين من حيث المكان نظرًا لبعد الشُّقَّة بينهما، وهذا هو منطوق المادة (٨٨) من القانون المدني العراقي التي نصت على ما يلي: (يعتبر التعاقد بالتليفون أو بأية طريقة مماثلة كأنه تمَّ بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان) .

ويؤكد هذا المعنى الأستاذ السنهوري حيث قال: (التعاقد بطريق التليفون، هو تعاقد لا يجمع فيه المتعاقدين مجلس واحد، فقد يكون أحدهما في جهة تبعد عن الجهة التي يوجد فيها الآخرون بمسافة طويلة، بل قد يفصل المتعاقدين وهما يتخاطبان في التليفون بلاد شاسعة بعد أن اخترع التليفون اللاسلكي، ولكن التعاقد وهما يتخاطبان بهذه الطريقة لا يثير إشكالًا إلا من حيث معرفة مكان العقد. أما زمان العقد فلا صعوبة فيه، لأن وقت صدور القبول هو وقت العلم به، فلا فترة من الزمن تفصل بين الأمرين، ولذلك قيل إن التعاقد بالتليفون هو تعاقد فيما بين حاضرين من حيث الزمان، وهذا يدل مرة أخرى على أن العبرة في التعاقد بالمراسلة هي الفترة التي تفصل بين صدور القبول والعلم به، ويتبين من ذلك أن التعاقد بطريق التليفون يتمُّ في الوقت الذي يصدر فيه القبول، وهو نفس الوقت الذي يقع فيه العلم بالقبول.

أما من حيث المكان فالإشكال موجود، لأن المتعاقدين موجودان في جهتين مختلفتين، فهل يتمُّ العقد في الجهة التي يوجد فيها من صدر منه القبول، أو في الجهة التي يوجد فيها من صدر منه الإيجاب، أي الجهة التي وقع فيها العلم بالقبول....) (٢) .


(١) النظر الوجيز في النظرية العامة للالتزامات: ص٦٣.
(٢) نظرية العقد: ص٢٩٠ وما بعدها، ويعتبر الأستاذ في آخر كلامه، أن تحديد المكان الذي ينشأ فيه العقد يتبع تحديد الوقت الذي يتم فيه. انظر ص٣٠٩ من المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>