للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعاقد بواسطة وسائل الاتصال الحديثة – التليفون – البرقية – التلكس:

لقد تبين لنا من خلال البحث أن الفقه الإسلامي يعتبر الرضا هو الأساس في إبرام العقود، لهذا أجاز التعاقد بالرسالة والكتابة وبالإشارة وبالتعاطي، بل ذهب إلى أبعد من هذا عندما اعتبر التعاقد جائزًا باتخاذ أي مسلك آخر لا تدع ظروف الحال شكًّا في دلالته على التراضي وقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى في كتبهم على هذا، من ذلك ما قاله السرخسي: (العقد قد ينعقد بالدلالة كما ينعقد بالتصريح) . (١) وقال الحطاب: (واحتج المالكية بما تقدم من أن الأفعال وإن انتفت منها الدلالة الوضعية ففيها دلالة عرفية، وهي كافية، إذ المقصود من التجارة إنما هو أخذ ما في يد غيرك بدفع عوض عن طيب نفس منكما، فتكفي دلالة العرف في ذلك على طيب النفس، والرضا بقول أو فعل) (٢) . وحكى ابن قدامة عن مالك قوله: (يقع البيع بما يعتقده الناس بيعًا) (٣) .وحكى عن الحنابلة أيضًا ما يشبه هذا الكلام حيث قال: (إن الله أحل البيع ولم يبيِّن كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق) (٤) .

وقد أكد الفقهاء المحدثون هذا المعنى في مؤلفاتهم التي تكلموا فيها عن العقود (٥) .

ولم يتشدد في ذلك سوى بعض فقهاء الشافعية رحمهم الله تعالى على ما ذكرنا فيما سبق.

من هذا كله نستخلص أن التعاقد بواسطة وسائل الاتصال الحديثة يتماشى مع ما قرره الفقهاء من قبل، بل أن في نصوص الفقهاء ما يمكن أن نعتبره أساسًا لفكرة التعاقد بالهاتف، فقد قال النووي: (لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع) (٦) ، والسؤال الذي يدور حول التعاقد بالهاتف وغيره من وسائل الاتصال الأخرى. هل يعتبر تعاقدًا بين حاضرين أم بين غائبين؟


(١) انظر المبسوط ١١/١٥٠
(٢) انظر مواهب الجليل شرح مختصر خليل: ١/١٢٤.
(٣) انظر المغني: ٣/٤٨١.
(٤) انظر المغني: ٣/٤٨١.
(٥) انظر في ذلك الشيخ على الخفيف في مؤلفه أحكام المعاملات الشرعية: ص١٥٥، ١٥٦ – وكذا الأستاذ أبو زهرة في مؤلفه الملكية ونظرية العقد: ص٢٠٥، ٢٠٦.
(٦) انظر المجموع ٩/١٩٣، وكذا الروضة: ٣/٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>