للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- من حيث رجوع الموجب عن إيجابه:

لما اعتبر فقهاء القانون التعاقد بالهاتف وغيره من وسائل الاتصال الأخرى تعاقدًا بين حاضرين فيما يتصل بالزمان، فهذا يعني أنه يحق للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل صدور القبول من الطرف الآخر.

هذا ما نصت عليه المادة (٩٤) من القانون المدني المصري حيث جاء فيها: (على أنه إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد دون أن يُعَيَّن ميعاد للقبول، فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورًا، وكذلك الحال إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر بطريق التليفون أو بأي طريق مماثل، ومع ذلك يتم العقد ولو لم يصدر القبول فورًا إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب والقبول وكان القبول قد صدر قبل أن ينفض المجلس) (١) .

إجراء عقود النكاح بواسطة المراسلة والمكاتبة:

إتمامًا لفائدة البحث، أو أن أذكر بشيء من الإيجاز ما قاله فقهاؤنا رحمهم الله تعالى بخصوص إجراء عقد النكاح بواسطة المراسلة والمكاتبة.

فأقول: صرح فقهاء الحنفية بجواز ذلك بشرط الإشهاد عند القبول، لأنه لا نكاح إلا بشهود.

من ذلك ما حكاه ابن عابدين عن السرخسي في مبسوطه حيث قال: (كما ينعقد النكاح بالكتابة ينعقد البيع وسائر التصرفات بالكتابة أيضًا) (٢) . ونقل أيضًا عن شيخ الإسلام خواهر زاده مثل ذلك حيث قال: (لو كان حاضرًا فخاطبها بالنكاح فلم تجب في مجلس الخطاب ثم أجابت في مجلس آخر، فإن النكاح لا يصح، وفي الكتاب إذا بلغها وقرأت الكتاب ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه، ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب يصح النكاح ... ) (٣) .

ومثل ذلك حكى الكاساني عن أئمة الحنفية أيضًا (٤) . ويعتبر من قبيل المراسلة والمكاتبة في عصرنا الحاضر، التلغراف – البرقية – والتلكس، ويشترط لصحة عقد النكاح بهاتين الوسيلتين ما يشترط في التعاقد بالمراسلة والمكاتبة من الإشهاد على العقد.

أما إجراء عقد النكاح بواسطة الهاتف فتتوقف صحته على إحضار الشهود عند المخاطبة وسماعهم كلام العاقدين، فإذا تحقق ذلك جاز، وإلا فلا، والله أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


(١) النظرية العامة للالتزام الدكتور الشرقاوي: ص٢٥٧، نقلًا عن الأستاذ محمد عقلة في بحثه السابق.
(٢) انظر حاشية رد المحتار على الدر المختار: ٤/٥١٢.
(٣) انظر حاشية رد المحتار على الدر المختار: ٤/٥١٢.
(٤) انظر البدائع: ٦/٢٩٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>