للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن للمرسِل أو للكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود، بشرط أن يكون قَبْل قبول الآخر ووصول الرسالة أو الخطاب ونحوه من الإبراق والتلكس والفاكس. ويرى جمهور المالكية أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة للقابل يقرر العرف مداها كما تقدم.

هذا وإن بقية شروط الإيجاب والقبول عدا اتحاد المجلس لابد من توافرها في وسائل الاتصال الحديثة.

زمن إتمام العقد في التعاقد بين غائبين:

أجمع الفقهاء على أن العقد ينعقد بين الغائبين كما في آلات الاتصال الحديثة بمجرد إعلان القبول، ولا يشترط العلم بالقبول بالنسبة للطرف الموجب الذي وجه الإيجاب (١) .

فلو كان المتعاقدان يتحدثان بالهاتف أو باللاسلكي، وقال أحدهما للآخر: بعتك الدار أو السيارة الفلانية، وقال للآخر: قبلت انعقد العقد، بمجرد إعلان القبول، ولو لم يعلم الموجب بالقبول، بأن انقطع الاتصال بينهما.

ولو وَجَّه أحد العاقدين أو برقية إلى آخر أو تلكسًا أو فاكسًا، وفيها إيجاب بيع شيء، أو بإبرام عقد زواج، انعقد العقد بعد وصول البرقية أو الخطاب ونحوهما، وإعلان الآخر قبوله، دون حاجة إلى علم الموجب أو سماعه بالقبول.

لكن إبعادًا لكل لبس أو غموض، وتمكينًا من إثبات العقد، وتأكيدًا لإبرامه، جرى العرف الحاضر في التلكس مثلًا ونحوه على إرسال تلكس العرض، ثم تلكس القبول، ثم تلكس البيع، وساعد على ترسيخ هذا العرف ما تنص عليه بعض القوانين الوضعية كالقانون المدني المصري، فإنه نص على ما يلي:

في التعاقد بين حاضرين: تنص المادة (٩١) على أن (التعبير عن الإرادة ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وُجِّهَ إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينةً على العلم به، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك) . واشتراط السماع أو العلم بالقبول حتى بين الحاضرين أخذ به بعض فقهاء الحنفية مثل النسفي وابن كمال باشا.

في التعاقد بين غائبين: تنص المادة (٩٧) على ما يلي: (يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني بغير ذلك، ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول) .

وأرى الأخذ بضرورة العلم بالقبول بالنسبة للموجب في التعاقد بين غائبين بسبب تقدم وسائل الاتصال الحديثة وتعقد المعاملات، وتحقيقًا لاستقرار التعامل ومنع إيقاع الموجب في القلق، وتمكينًا من إثبات العقد وإلزام القابل، فإن جهل الموجب بالقبول يوقعه في حرج شديد. وهذا رأي الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري (٢) .

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي


(١) التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي للدكتور وحيد سوار: ص١١٨ طبع الجزائر.
(٢) مصادر الحق: ٢/٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>