للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الإيصاء (وهو جعل الغير وصيًّا على أولاده ليرعى شؤونهم بعد وفاته) : فلا يلزم القبول فيه في حياة الموصي، وإنما يصح بعد وفاته. وعلى كل حال لا يصبح وصيًّا إلا بعد وفاة الموصي وإن قبل في حياته.

وأما الوكالة (وهي تفويض التصرف والحفظ إلى الوكيل في أثناء الحياة) فمبنية على التوسعة واليسر والسماحة، فلا يشترط فيها اتحاد المجلس، لأن قبولها قد يكون باللفظ (القول) أو بالفعل بأن يشرع الوكيل في فعل ما وُكِّلَ فيه، ويصح فيه توكيل الغائب (أي غير الموجود في مجلس العقد) ويكون له صلاحية القيام بالعمل الموكل فيه بمجرد علمه بالوكالة (١) .

ويرى الحنابلة: أنه يعد كالوكالة كل عقد جائز غير لازم، يصح القبول فيه على التراخي، مثل الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة، والإيداع والجعالة.

التعاقد بالهاتف واللاسلكي ونحوهما من وسائل الاتصال الحديثة:

ليس المراد من اتحاد المجلس المطلوب في كل عقد كما بيَّنَّا كون المتعاقدين في مكان واحد، لأنه قد يكون مكان أحدهما غير مكان الآخر، إذا وجد بينهما واسطة اتصال، كالتعاقد بالهاتف أو اللاسلكي أو بالمراسلة (الكتابة) وإنما المراد باتحاد المجلس: اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد، فمجلس العقد: هو الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض في العقد (٢) ، وعن هذا قال الفقهاء: (إن المجلس يجمع المتفرقات) (٣) .

وعلى هذا يكون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية أو اللاسلكية: هو زمن الاتصال ما دام الكلام في شأن العقد، فإن انتقل المتحدثان إلى حديث آخر انتهى المجلس.

ومجلس التعاقد بإرسال رسول أو بتوجيه خطاب أو بالبرقية أو التلكس أو الفاكس ونحوها: هو مجلس تبليغ الرسالة، أو وصول الخطاب أو البرقية أو إشعار التلكس والفاكس، لأن الرسول سفير ومعبر عن كلام المرسِل، فكأنه حضر بنفسه وخوطب بالإيجاب فقبل، فينعقد العقد. وفي مكاتبه الغائب بخطاب أو برقية ونحوهما يجعله كأنه حضر بنفسه، وخوطب بالإيجاب، فقبل في المجلس، فإن تأخر القبول إلى مجلس ثانٍ، لم ينعقد العقد. وبه تبين أن مجلس التعاقد بين حاضرين: هو محل صدور الإيجاب، ومجلس التعاقد بين غائبين: هو محل وصول الكتاب أو تبليغ الرسالة، أو المحادثة الهاتفية.


(١) البدائع: ٦/٢٠ وما بعدها، القوانين الفقهية: ص٣٢٨، نهاية المحتاج: ٤/٢١، مغني المحتاج: ٢/٢٢٢، غاية المنتهى: ٢/١٤٧.
(٢) المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف١٧١.
(٣) البدائع: ٥/١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>