للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويترتب على الشرط الثالث: ألا يرجع الموجب في إيجابه قبل قبول القابل أنه لا بد لانعقاد العقد من استمرار الموجب على إيجابه الذي وجهه للقابل، فإن عدل عن إيجابه لم يصح القبول.

ويصح في رأي الجمهور غير المالكية العدول عن المجلس في مجلس العقد، فللموجب أن يرجع عن إيجابه قبل صدور القبول من الطرف الآخر، ويبطل الإيجاب حينئذ، لأن الالتزام بالعقد لم ينشأ بعد، ولا ينشأ إلا بارتباط القبول بالإيجاب، ولأن الموجب حر التصرف بملكه وحقوقه، وبإيجابه أثبت للطرف الآخر حق التملك، وحق الملك أقوى من حق التملك. فيقدم عليه عند التعارض، لأن الأول ثابت لصاحبه أصالةً، والثاني لا يثبت إلا برضا الطرف الأول، والتراضي بين الجانبين أساس لصحة العقود (١) .

وقال أكثر المالكية: ليس للموجب الرجوع عن إيجابه، وإنما يلتزم بالبقاء على إيجابه حتى يعرض الطرف الآخر عنه، أو ينتهي المجلس، لأن الموجب قد أثبت للطرف الآخر حق القبول والتملك، فله استعماله وله رفضه، فإذا قبل ثبت العقد، وإذا أعرض عن الإيجاب لم ينشأ العقد، وعليه لا يكون الرجوع مبطلًا للإيجاب (٢) .

تعيين مدة القبول:

إذا حدد الموجب للطرف الآخر مدة للقبول، فيلتزم بها عند فقهاء المالكية، لأنهم قالوا كما تقدم: ليس للموجب الرجوع عن إيجابه قبل قبول الآخر، فيكون من باب أولى ملتزمًا بالبقاء على إيجابه إذا عين ميعادًا للقبول، كأن يقول: أنا على إيجابي مدة يومين أو يوم أو ساعات مثلًا، فيلزمه هذا التقييد، ولو انتهى المجلس. وهذا يتفق مع المبدأ العام في الشريعة وهو ((المسلمون على شروطهم)) (٣) . ومثل هذا الشرط لا ينافي مقتضى العقد.

العقود التي لا يشترط فيها اتحاد المجلس:

اتحاد المجلس شرط في جميع العقود ما عدا ثلاثة: الوصية، والإيصاء، والوكالة.

أما الوصية (وهي تصرف مضاف إلى ما بعد الموت) : فيستحيل فيها تحقق اتحاد المجلس، لأن القبول لا يصح من الموصى له في حال حياة الموصي، وإنما يكون بعد وفاته مصرًّا على الوصية.


(١) البدائع: ٥/١٣٤، مغني المحتاج: ٢/٤٣، غاية المنتهى: ٢/٢٩.
(٢) مواهب الجليل للحطاب: ٤/٢٤١.
(٣) هذا نص حديث نبوي أخرجه الترمذي عن عمرو بن عوف، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>