ولم يعد بالإمكان تجاهل هذه المشاكل المطروحة والأسئلة الملقاة التي تطلب الحل والإجابة ببيان الحلال من الحرام.
ولقد تطورت الحياة الاقتصادية تطورًا عجيبًا وأصبحت وجهات نظرها وطرق عملها تهم كل المجتمعات الإسلامية بحكم الارتباط الحضاري والاقتصادي وانتشار طرق الالتقاء والاتصال وسهولة تبادل الآراء والاطلاع على خفايا الأمور بين أصقاع المعمورة مع تباعد الديار بفضل هذه الوسائل المتطورة العجيبة الميسّرة السّهلة في مآخذها وتطبيقها والتي فرضت نفسها على كل المجتمعات بشكل عجيب ورهيب، لا يسعى الإنسان إليها ولا يطلب حضورها ولا يرغب في تغلغل مفعولها وإنما تدخل البيوت من غير أبوابها ولا تستأذن أربابها وتربي الكسل الرخيص والارتخاء البسيط، فإذا الإنسان يرحب بمقدمها ويسعى لانتشار أمرها ويطلب التعامل معها. ولكل عصر نواميسه وموازينه ووسائل راحته وترفيهه سواء دعي ذلك تقدمًا أو نعُت بالكسل والارتخاء والاعتماد الكلي على الآلة ... والآلة وحدها.
والمسلمون بعد عصر النهضة وبعد الخلود إلى الراحة لم يكن لهم أي دور في وجود وفي تطور طرق ووسائل وآلات الاتصال الحديثة وإنما هي بضاعة مستوردة طلبوها من صناعها واستخدموها في بلادهم دون معاناة أو تعب أو مشقة ونصب ودون تفكير حتى في صنعها وتطويرها وفهم غامض أمرها وشأنها، وهي بقدر ما تجلب اهتمامهم تجلب أموالهم.
وكان لا بدَّ أن تحدث المشكلة وأن تبعث الأسئلة وأن توجد الحيرة بين رافض لا يحسن إلا التمسك بأساليب قديمة أبدى في شأنها العلماء رأيهم وتعوّد عليها الجميع في ظل الأمن والاطمئنان وراحة البال ولو أدى الأمر إلى خسارة الصفقات وضياع الأرباح وهلاك الاقتصاد وخسارة الحرب الدائرة.
وبين منغمس في استعمالها وفي التلذذ بمنافعها دون وعي بمضارِّها أو تبصّر بأحكامها وعن جهل بعلاقة أحكام دينه الحنيف بما ينتج عن هذه الطرق والآلات من ارتباطات ومعاملات وعقود وانجرار منافع قد تكون محرمة شرعًا في بعض الأحيان.
والدعوة الملحة وجريان الحياة وعدم توقفها تدفع بالفقيه العالم المتقصِّي إلى البحث عن الحلول طبق منهج الإسلام ومقصده في مثل هذه المسائل.
ولنا قدوة حسنة في الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وفي أصحابه رضوان الله عليهم، وفي مجتهدي هذه الأمة الذين خبروا أمر استنباط الأحكام بطرق عرفوها وخبروها ووضعوا لها مقاييس ليس لنا الخروج عنها، إذا كانت جامعة مانعة تعبد الطريق وترسمه وتيسر سبيل السير فيه: سير الرشاد والهدى وبلوغ الغاية طبق أحكام الدين الحنيف.