للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالرسول صلى الله عليه وسلم يسأل قاضيه المتوجه لتسلم خطته ويفرح لإجابته بأنه يجتهد رأيه إذا لم يجد نصًّا من كتاب أو سنَّة. وهو بذلك يخطو أول خطوة في سبيل الاجتهاد والتصرف عند نزول القضايا وحدوث المشاكل.

وأئمة المذاهب رضي الله عنهم يسيرون في هذا السبيل ويقتفون أثر الرسول الكريم.

فالإمام أبو حنيفة رضي الله عنه إمام القائلين في الفقه بالرأي والقياس والاستحسان فيما ترك من أجله القياس متى تبين له المصلحة في ذلك، إلا أن ذهابه إلى القياس والاستحسان كان بلا ريب بعد الرجوع إلى القرآن والسنَّة الثابتة لديه ولا يجد نصًّا فيهما على حكم الله فيما عرض عليه وبعد أن لا يجد في المسألة موضوع البحث والفتوى حكمًا أو رأيًا مجمعًا عليه من الفقهاء ومن لهم حق الإجماع.

يقول الخطيب في تاريخ بغداد [١٣/٣٤٠] :

(إن أبا حنيفة كان إذا وردت عليه مسألة فيها حديث صحيح اتبعه وإن كان عن الصحابة التابعين، وإلا قاس وأحسن القياس) .

وفيما روي عن أبي حنيفة نفسه أن يقول: (علمنا هذا الرأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ولنا ما رأينا) [الملل والنحل، للشهرستاني] .

وهو رضي الله عنه يوضح طريقته في استنباط الأحكام، فيقول:

(أني آخذ بكتاب الله إذا وجدته فما لم أجد فيه أخذت بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا في سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول أصحابه من شئت وادع من شئت ثم أخرج من قولهم إلى قول غيرهم فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب – أي المجتهدين أمثاله – فلي أن أجتهد كما اجتهدوا) . [الانتقاء لابن عبد البرّ] .

يقول الشيخ الإسلام أحمد بن تيمية [مجموع الفتاوى ٢٩/١٦] .

(إن تصرفات العباد في الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه) .

<<  <  ج: ص:  >  >>