للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه أنه عبادة، وما لم يثبت من عبادات أنه منهي عنه كيف يحكم على أنه محظور. ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرع الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله:

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى: الآية ٢١] .

والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله وإلا دخلنا في معنى قوله [سورة يونس: الآية ٥٩] .

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} .

ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا في الدّين ما لم يأذن به الله وحرَّموا ما لم يحرِّمه في [سورة الأنعام: الآية ١٣٥] .

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (١٣٦) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١٣٧) وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} .

وفي صحيح مسلم، عن عياض، عن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: ((قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا))

وهذه قاعدة عظيمة نافعة. انتهى كلام شيخ الإسلام.

ومن هذه الزاوية، زاوية الحداثة والتطور الفني لآلات الاتصال وتقارب المسافات بين الذوات المادية وإن تباعدت الأجساد، يجمل بالباحث أن يستعرض أولًا هذا التطور والاختراع المحدث وما قيل في شأنه من طرف المقننين المعاصرين في النظام الوضعي الدولي ثم نتبع ذلك بعد التصور بأحكام الفقه الإسلامي ذي الثراء الواسع الذي يستطيع أن يمدنا بالمتشابه وبالنظير وأن ييسر لنا سبل استخراج الأحكام وتطبيقها على ما حدث من أقضية وطرأ من مشاكل ووجد من ابتكار دخل حياتنا وتغلغل في تصرفات تجارنا وفي معاملاتنا المدنية.

وعسى أن لا يأخذنا أحد إذا اتبعنا هذا السبيل ففيه الوضوح والجلاء والتقصي ثم محاولة وجود النص والمساعدة على إجراء القياس والانتهاء إلى المطلب المنشود فالموضوع جافٍ إن اقتصر على عنوانه وثري حافل إن وقع التطرق إلى شعبه وما يخضع له من عناصر متنوعة ومحاور متفرقة بين دفات الكتب الفقهية هذا الفقه الذي نفخر به وبمن عالجوا أبوابه ونظموا طرقه ولم يغفلوا حتى عن البسيط من الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>