الفرع الأول
التعاقد بين حاضرين
قد تبرم بين متعاقدين حاضرين حقيقة أو حكمًا أو بين غائبين عن بعضهما منفصلين جسديًّا بسبب بعد المكان.
الفرع الأول:
إذا كان الطرفان المتعاقدان في مكان واحد من بلد واحد وتفاهما في شأن عقد من العقود واتفقا على شروطه ولوازمه وتوابعه وكلياته وجزئياته، فقد انبرم العقد بينهما ولزم كل طرف الوفاء بما تعهد به دَيْنًا وقضاءً مع احترام وسائل الإثبات عند إنكار أي طرف لما يدعيه الطرف الآخر.
أما إذا وجد شخصان مثلًا في مكان واحد وعرض أحدهما على الآخر صفقة من الصفقات بشروطها وأوصافها ولم يعين له أجلًا لقبول العرض أو رفضه، أو بعبارة عرفية لقبول الإيجاب المعروض عليه أو رفضه، فالقوانين الوضعية هنا تقرر أن القبول يجب أن يكون حينيًّا.
يقول الفصل (٢٧) من القانون المدني التونسي:
(إذا عرض شخص على شخص آخر حاضر بمجلسه عقدا من العقود ولم يعين له أجلا لقبوله أو رفضه، فلا يترتب على ذلك شيء إن لم يقبله في الحين) .
وتقول المادة (٩٤) من القانون المدني المصري الجديد.
(إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد دون أن يعين ميعادًا للقبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورًا) .
هذا إذا كان الطرفان حاضرين ماديًّا ذاتيًّا في مكان واحد ومجلس واحد.
والأمر كذلك إذا كان حاضرين حكميًّا، أي حضور معنويًّا بأن كان أحدهما ببلد والآخر بأخرى يبعد عنه لكن أمكنهما الاجتماع معنويًّا بواسطة الهاتف والتخاطب المباشر والتفاهم على كل جزئيات وكليات العقد والهاتف قد يكون مصحوبًا بالصورة المرئية أحيانًا.
فالقبول هنا يجب أن يكون حينيًّا فوريًّا كما في الصورة الأولى، وهي صورة الاجتماع الحي المادي.
وهذا ما صرح به آخر فصل (٢٧) من المدونة المدنية التونسية السابق:
(وهذا الحكم يجري فيما يعرضه شخص على آخر بواسطة التليفون) .
وهو عين ما جاء في المادة (٩٤) من القانون المصري التي تنص:
(وكذلك الحال إذا صدر الإيجاب بطريق التليفون أو بأي طريق مماثل) .
ومن هنا نفهم أن التعاقد بين شخصين حاضرين حضورًا ماديًّا أو حكميًّا أن من وُجِّهَ إليه إيجاب في شأن إبرام عقد من العقود عليه أن يرد بغطاء القبول حالا وفورًا، فإن تراخى وأهمل أمر القبول فالإيجاب أصبح ساقطًا لا يعمل به، وإن قَبِل بعد ذلك يصير قبوله هذا إيجابًا جديدًا وعرضًا حديثًا وعلى الطرف الآخر قبوله حينًا أو رفضه ماديًّا أو معنويًّا بالصمت والسكوت.