وهذه المادة كانت سندًا يعتمده القضاة متعمقين بحثًا وتنقيبًا في كتب الفقه الإسلامي حتى لا تكون أحكامهم مخالفة للشرع الحنيف.
ونلاحظ لحد الآن أن استعمال هذه الوسائل والالتجاء إلى سرعتها ونفعها وصلاح عملها لا غبار عليه شرعًا ما دامت الاتفاقات والعقود تسير مسارها الطبيعي العام الذي رسمته وضبطته الأحكام الفقهية في مختلف المذاهب السنيَّة الإسلامية.
ومع ذلك فإننا نرى من الواجب الإشارة إلى بعض الحالات الخاصة من العقود المضبوطة أحكامها فقهيًّا وجاءت هذه الوسائل تسهل انبرامها وانعقادها ووجودها وقد لا يحترم بعضهم حدودها.
١- بيع ما لم يقبض مثلًا:
نشاهد الآن بسبب تطور وتقدم وسائل الاتصال أن بعضهم يشتري بضاعة ما وقبل أن يجوزها ويقبضها ويتصل بها يعلن عنها هاتفيًّا وبرقيًّا بواسطة السماسرة ويتصل به التجار ويقع التفاهم في الشروط والآجال والثمن وتنعقد الصفقة وتباع تلكم البضاعة وهي رابضة عند مالكها الأول عدة مرات، وقد عرف ذلك حتى تجار الطعام مثل تجار الزيت الذي يكون مخزونًا في مواجله (أماكن جمعه وخزنه) عند أصحابه ولما يباع تتراكم عليه الصفقات والبيعات وهو هناك لم يبرح مكانه.
حتى إذا انتهى الأمر لأحدهم الثالث أو الرابع ذهب المشتري الأخير إلى مالكه بائعه الأول ليتسلمه منه.
وما عرفناه في الزيوت يقع في عدة أمور أخرى ثابتة أو منقولة من الأطعمة وغيرها.
والسبب الأول في كثرة هذه العمليات وسهولة أمرها هو هذه الإمكانيات السريعة في الاتصال بين التجار بعضهم ببعض بفضل وسائل الاتصال الحديثة.
فالمبدأ العام في بيع ما لم يقبض أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكًا لها وقبضها عملًا بقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: ((لا تبع ما ليس عندك)) .
وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك)) [رواه الخمسة بإسناد صحيح] .
وكذلك بالنسبة لمن يشتري تلك السلعة ليس له بيعها حتى يقبضها للحديثين المذكورين.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)) .
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لقد رأيت الناس يتبايعون جزافًا – يعني الطعام – يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم.