إن الفقهاء الأقدمين وشراح الحديث يرفضون التعويل على الحساب دون الرؤية لمعرفة بدايات الشهور القمرية ونهاياتها للصيام والإفطار ويقررون أن الشرع لم يكلفنا في مواقيت الصوم والعبادة بمعرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربط التكليف في كل ذلك بعلامات واضحة يستوي في معرفتها الكاتبون والحاسبون وغيرهم كما نقلناه سابقا عن العيني والقسطلاني وابن بطال والسندي وسواهم.
ولكن يحسن أن ننقل تعليلاتهم لهذا الرفض ليتبين سببه ومبناه مما يظهر ارتباطه بما كانت عليه الحال في الماضي ولا ينطبق على ما أصبح عليه أمر علم الفلك وحسابه في عصرنا هذا.
وصرح العلامة ابن حجر في فتح الباري بأن تعليق حكم الصوم وغيره بالرؤية دون الحساب يستمر ولو حدث فيما بعد من يعرف بالحساب، وقال:" أن الحكمة في ذلك أن يستوي الناس فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم "(الفتح ج ٤ ص ١٢٧) .
ثم نقل ابن حجر أيضا عن ابن بزيزة أن اعتبار الحساب هو مذهب باطل، فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم، لأنه حدس وتخمين، وليس فيه قطع ولا ظن غالب ".
ويظهر من كلام ابن حجر وابن بزيزة أن العلة في عدم اعتماد الحساب هي أن هذا العلم في ذاك الزمن مجرد حدس وتخمين لا قطع فيه وأن نتائجه مختلفة، ولذلك بين أهله فيؤدي ذلك إلى الاختلاف والنزاع بين المكلفين.