للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعاقد بالراديو والتلفزيون:

يمكن إجراء العقد من خلال الراديو أو التلفزيون، ولا سيما في الإيجابات الموجهة للجمهور، فلو عرض أحد من خلال الراديو أو التلفزيون عرضًا خاصًّا ببيع شيء معين، أو إيجار، وأوضح الشروط المطلوبة، والمواصفات المطلوبة المعرِّفة للمعقود عليه بشكل يزيل الجهالة عنه فإن هذا الإيجاب مقبول ويبقى قائمًا إلى أن يتقدم آخر فيقبله، وحينئذ يتم العقد، وكذلك يمكن إجراء التعاقد الخاص، من خلال شخصين عن طريق الراديو، وذلك لأن الركن الأساسي من العقد هو صدور الإيجاب والقبول ووصول كل منهما إلى علم الآخر بصورة معتبرة شرعًا، وفهم كل واحد منهما ما طلبه منه الآخر، وهذا كله يتحقق من خلال الراديو، والتلفزيون ولا سيما في الإيجابات الموجهة للجمهور، والجعالة ونحوها.

فإذا كان الإيجاب خاصًّا – أي لم يكن موجهًا إلى الجمهور – فلا بد أن يتصل به القبول فورًا عند الشافعية، ومقيدًا بدوام المجلس عند الحنفية، والحنابلة. وبعدم الإعراض عنه عند المالكية – كما سبق.

وأما الإيجاب العام الموجه إلى الجمهور فإنه لا ينتهي بل يستمر إلى أن يتصل به القبول، أو يحدث عارض يقطعه – على التفصيل السابق.

بل إننا نجد بعض النصوص لبعض الفقهاء الشافعية أن الإيجاب ما دام موجهًا إلى الغائب لا ينتهي فورًا بل يستمر حيث لو أوصله شخص إلى الآخر وقبله تم العقد. قال الرافعي: (وأَلِفوا في مسودات بعض أئمة طبرستان تفريعًا على انعقاد البيع بالكتابة: أنه لو قال: بعت من فلان، وهو غائب فلما بلغه الخبر قال: قبلت ينعقد البيع، لأن النطق أقوى من الكتابة ... )

(١) ، واشترط الحنفية أن يكون ذلك بإذن الموجب (٢) .

فعلى ضوء ذلك لو قال شخص في الراديو أو التلفزيون بعت هذا لكل من يريد أو لفلان فقبله آخر وبعث إليه القبول فقد تم العقد، وإذا حصل تزاحم فالاعتبار بأولوية الوصول إلى علم الموجب، وإذا كان بإذن الموجب فقد صح بالاتفاق.

وفي مذهب المالكية توسع جيد في هذا المجال ولا سيما هم يقولون بأن الموجب ملزَم بإيجابه الذي كان بصيغة الماضي، وليس له حق الرجوع، كما أنهم فصلوا في الإيجابات العامة، (قال البرزلي في نوازله: رجل قال في سلعة وقد عرضها: من أتاني بعشرة فهي له، فأتاه رجل بذلك، إن سمع كلامه، أو بلغه فهو لازم، وليس للبائع منعه، وإن لم يسمعه، ولا بلغه فلا شيء عليه) (٣) ، فهذا النص يدل بوضوح على أن بإمكان الإنسان أن يعرض إيجابه في الراديو والتلفزيون ثم يتلقى القبول فيتم العقد.

ثم إن الإيجاب العام الذي قدمه أحد عبر الراديو أو التلفاز، لا يجوز الرجوع عنه، عند المالكية، وكذلك الإيجابات الموجهة للجمهور مثل الجعالة فإنها وإن لم تكن لازمة من حيث هي لكنها تفضي إلى اللزوم بحيث إذا أتى شخص بما طلبه الجاعل فإن الجاعل ملزم بالتنفيذ. (٤) .

التعاقد باللاسلكي:

إذا كان جهاز اللاسلكي ينقل الكلام الواضح إلى الآخر فهو مثل التليفون في جميع ما ذكرناه، وكذلك إذا كان ينقل الكلام عن طريق الشفرات الواضحة المفهومة للطرفين حيث يتم العقد، إذا فهما الإيجاب والقبول بوضوح، أما إذا كان ينقل الشفرات على شريط مكتوب – فرضًا – فإنه حينئذٍ مثل البرقية – كما سيأتي – ما دامت واضحة.


(١) فتح العزيز: ٨/١٠٣، ويراجع: المجموع: ٩/١٦٧.
(٢) انظر الفتاوي الهندية: ٣/٩. وأما المالكية فمع الشافعية في صحة العقد حتى وإن لم يأمر الموجب به أو لم يأذن. انظر: حاشية البنا على الزرقاني: ٥/٥-٦.
(٣) حاشية البنا على شرح الزرقاني على مختصر خليل: ٥/٥-٦.
(٤) الحاوي للماوردي، كتاب البيوع، المحقق من قِبَل محمد الكزني ص٢٢٤-٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>