للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث صحيح آخر: ((نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينًا بعين. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)) (١) .

وكذلك الحكم في عقد السَّلَم حيث يجب تسليم الثمن (رأس مال السَّلَم) في مجلس العقد، خلافًا للمالكية حيث أجازوا تأخيره ثلاثة أيام، ولكنهم اختلفوا فيما لو تأخر تسليمه أكثر من ثلاثة أيام بدون اشتراط التأخير حيث ذهب بعضهم إلى فساده، وبعضهم إلى صحته، أما إذا كان التأخير عن الثلاثة باشتراط، فقد فسد العقد بالاتفاق (٢) .

ثالثًا: إن مجلس العقد بالتليفون واللاسلكي ونحوهما، ينتهي بانتهاء المحادثة كما سبق. إلا إذا كان العقد يتم من خلال المزايدة، حيث ذهب المالكية إلى أن الشخص الذي يعرض رضاه بثمن معين في المزايدة فليس له حق الرجوع حتى ولو طال، يقول العلامة الصاوي: (ولا يضر في البيع الفصل بين الإيجاب والقبول إلا أن يخرج عن البيع بغيره عرفًًا، وللبائع إلزام المشتري في المزايدة ولو طال حيث لم يجرِ عرف بعدمه) . (٣) .

فعلى ضوء هذا نقول: إذا اتصل شخص عبر التليفون بمن يدير المزاد، فعرض عليه قبوله بمبلغ كذا، ثم سد التليفون، ورسا عليه بنفس المبلغ فإنه لا مندوحة له من قبوله بالعقد، وهذا رأي وجيه له وجاهته واعتباره حيث يؤدي إلى حماية العقود من الفوضى والاضطراب، والإضرار بالناس، لأنه إذا لم يلزم به يؤدي إلى الإضرار بالبائع – مثلًا، لأنه أنهى المزاد لأجله، فإذا لم يلزم به، فيحنئذٍ يؤدي إلى الإضرار به بلا شك، وهو مدفوع في هذه الشريعة: ((لا ضرر ولا ضرار)) (٤) .

رابعًا: إن قولنا بأن مجلس العقد التعاقد بالتليفون ينتهي بمجرد إنهاء المحادثة خاص فيما إذا لم يُعْطِ أحدهما للآخر المهلة، أو لم يشترط لنفسه الخيار، فإذا اشترط أحدهما، أو كلاهما ذلك فإن لِمَنْ له الخيار، أو المهلة، أن يقبل في المدة المعينة.


(١) وهناك أحاديث كثيرة بهذا الصدد فراجعها في صحيح: البخاري – مع الفتح – البيوع: ٤/٣٧٧-٣٨٤ ومسلم، والمساقاة: ٣/١٢٠٨-١٢١٩، ومسند الشافعي: ص٤٨، وأحمد: ٣/٤، ٥/٤٩، والمستدرك: ٢/٤٣ وسنن أبي داود – مع العون: ٩/١٩٨، وابن ماجه: ٢/٧٥٧، والترمذي: ١/٢٣٣، والنَّسائي: ٧/٢٤٠، والسنن الكبرى: ٥/٢٧٦.
(٢) شرح الخرشي: ٥/٢٠٣، وبلغة السالك: ٢/٥٣٨ ويراجع: حاشية ابن عابدين: ٤/٢٠٨، والغاية القصوى: ١/٤٩٧، والمغني لابن قدامة: ٤/٣٢٨.
(٣) بلغة السالك: ٢/٣٤٥.
(٤) حديث ثابت رواه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية ص٤٦٤، وأحمد: ١/٣١٣، وابن ماجه في سننه، كتاب الأحكام: ٢/٧٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>