وأما وقت تمام العقد فقد آثرنا أن نثير الاتجاهات الفقهية الوضعية وهي نظرية إعلان القبول، ونظرية تصدير القبول، ونظرية تسليم القبول، ونظرية العلم بالقبول.
وبعد استعراض نصوص لبعض الفقهاء في المذاهب المختلفة وصلنا إلى أن العقد يتم بمجرد القبول في مجلس الوصول، ويلزم كذلك به عند الحنفية والمالكية في حين لا يصبح لازمًا ما دام في مجلس الوصول حيث لكل واحد منهما حق خيار المجلس، وهذا الأخير هو الذي رجحناه.
وبهذا الصدد قمنا بالرد على بعض الباحثين الذين قاسوا التعاقد بين الغائبين على التعاقد بين الحاضرين في وجوب السماع، وبالتالي قال بأن مقتضى المذهب الحنفي هو القول بنظرية العلم بالقبول.
وأما الخيارات المتعلقة بمجلس العقد في البرقية والتلكس والفاكس فهي خيار الرجوع حيث للموجب الحق في التراجع قبل قبول الآخر، خلافًا للمالكية فيما إذا كان الإيجاب بصيغة الماضي حيث يصبح ملزمًا به، وأما خيار القبول فهو حق ثابت للموجه إليه ما دام في مجلس العقد حيث لا يلزمه القبول فورًا خلافًا للشافعية. وقد رجحنا قول الجمهور في ذلك فعلى ضوء ذلك له الحق في التروي والتفكير ثم القبول ما دام لم يفارق مجلس وصول البرقية، أو التلكس أو الفاكس.
وأما خيار المجلس فقد رجحنا قول الجمهور واعتبرنا أن مجلس العقد هو وقت وصول البرقية، أو التلكس، أو الفاكس، وعلى ضوء ذلك يكون لكل واحد منهما الحق قبل فراق الموجه إليه مكان الوصول.
وقد أثَرْنا في هذا الصدد خصوصية للنكاح وهي أن من وُجِّه إليه الإيجاب في النكاح له الحق بعد وصول الكتاب، أو البرقية، أو التلكس أو الفاكس أن لا يقبل في مجلسه، بل يذهب إلى مجلس آخر، يجد فيه الشهود فيقرأ الكتاب بحضورهم.
وقد حاول بعض الباحثين أن يعمم هذا الأمر ليشمل عقود البيع ونحوه غير أنه ثبت من خلال الأدلة أن محاولته جانبت الدقة وعدم الاتفاق مع القواعد المستقرة لدى الفقهاء بهذا الخصوص.
هذا ... والله أسأل أن يجعل أعمالي كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يكتب لنا التوفيق والسداد، ويعصمنا من الخطأ والزلل في القول والعمل.