للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي اشتراط صدور القبول من شخص معين أو عدم اشتراط يجب مراعاة ما أوردناه من التوضيحات في التعاقد بين الحاضرين أيضًا.

أما إمكانية الرجوع عن القبول إلى غاية انعقاد العقد على الصعيد العملي فتتعين حسب اعتبار انعقاد العقد بمجرد صدور القبول أو عدم انعقاده أي حسب اعتبار (القبول) تعبيرًا متلقًّى أو تعبيرا ملقى. وسنتناول هذه القضية-وفق ما جرينا عليه في التعاقد بين الحاضرين- تحت عنوان (٣-٣-٣) .

وهناك مسألة هامة أخرى تتعلق (بالقبول) في التعاقد بين الغائبين وهي مسألة تحديد وقت القبول بوقت وصول الإيجاب أو عدم تحديده به، وهذه المسألة أيضًا لما لها من صلة وثيقة بمجلس العقد سنتناولها تحت عنوان (٣-٣-١) .

٣-٣- ارتباط الإيجاب بالقبول (مجلس العقد) ، وتحديد وقت ومكان انعقاد العقد:

لقد سبق أن بينا- تحت عنوان (٢-٣-١) أن ارتباط الإيجاب بالقبول حكمي بالنسبة للتعاقد بين الحاضرين ولكن اتحاد المجلس فيه يتم تصويره عند الفقهاء الأحناف خاصة انطلاقًا من منطلق مادي. أما في التعاقد بين الغائبين فإن اتحاد المجلس أيضًا حكمي بحيث يعتبر حكمًا أن الرسول أو الكتاب ناقل لإرادة الموجب ويعتبر كأن الموجب حضر بنفسه في مجلس العقد (١) .

ولن نتعرض تحت هذا العنوان إلا للمسائل الأربع الآتية التي لها صلة وثيقة بموضوعنا:

١- تحديد وقت القبول بوقت وصول الإيجاب أو عدم تحديده به.

٢- اشتراط أو عدم اشتراط علم الموجب برفض الإيجاب لاعتبار الإيجاب ساقطًا.

٣- تحديد وقت انعقاد العقد.

٤- تحديد مكان انعقاد العقد.

٣-٣-١- تحديد وقت القبول بوقت وصول الإيجاب أو عدم تحديده به:

لقد تناولت الكتب الفقهية موضوع التعاقد بين الغائبين في إطار طريقتين رئيسيتين وهما: (أ) الكتابة، (ب) الرسالة. وجمعت بعض الكتب هاتين الطريقتين في حكم واحد وفرق بعضهما بينهما من ناحية الحكم. وليتبين لنا الفرق بينهما سنتناولهما على حدة:

(أ) الكتابة:

لقد جاء في معظم الكتب الفقهية للأحناف أن مكان بلوغ الكتاب وأداء الرسالة يعتبر مجلس العقد وإن العقد يتم إذا اتصل به القبول في ذلك المكان (٢) .ولم تتطرق تلك الكتب إلى حالة في أغلب الأحيان: وهي حالة عدم وقوف المرسل إليه موقفًا حاسمًا من الإيجاب في مجلس بلوغ الكتاب ثم قراءته للكتاب في مجلس آخر وقبوله للإيجاب. ولكن ظاهر هذه العبارات تدل على أن الإيجاب يسقط بانفضاض مجلس بلوغ الكتاب (٣) .


(١) (وهذا لأن الرسول ناقل فلما قَبِل اتصل لفظه الموجب حكمًا) ابن الهمام فتح القدير، ٥/٤٦٢؛ (فكأنه حضر بنفسه) الكاساني، بدائع الصنائع، ٥/١٣٨. يراجع في هذا الموضوع: الهامش رقم ٥٠ من هذا البحث وما ذكر فيه من مراجع.
(٢) ينظر مثلًا: المرغيناني، الهداية، ٥/٤١١؛ الكاساني، بدائع الصنائع، ٥/١٣٨؛ ابن الهمام، فتح القدير، ٥/٤٦٢.
(٣) في نفس المعنى انظر مثلًا: الدريني، التراضي، ص٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>