للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(د) موقف الفقه الإسلامي من تحديد وقت انعقاد العقد:

(أأ) الكتب الفقهية القديمة:

يلاحظ أن الكتب الفقهية القديمة تصرح – غالبًا- بأن التعاقد بين الغائبين يصح، وإن العقد ينعقد إذا قبل المرسل إليه الإيجاب الذي وصل إليه بواسطة الكتاب أو الرسول، دون التطرق إلى قضية اشتراط أو عدم اشتراط علم الموجب بالقبول، ولكن ظاهر عبارات هذه الكتب تدل على أن العقد ينعقد بصدور القبول دون اشتراط علم الموجب بالقبول. ولا نرى فائدة في ذكر النصوص الفقهية المتعلقة بهذا الخصوص (١) ، بل سنكتفي بالاهتمام بتقييم هذه القضية في الصفحات القليلة القادمة.

(ب ب) آراء الباحثين المعاصرين:

سنعرض خلاصة آراء بعض الباحثين المعاصرين في الفقه الإسلامي في هذه القضية تحت هذا العنوان (ثم سنقوم بنقد هذه الآراء في العنوان التالي) .

* يبدأ الدكتور السنهوري كلماته في هذا الموضوع قائلًا: (أما في الفقه الإسلامي فلم نعثر على نص صريح في هذه المسألة يبين متى يتم العقد بين الغائبين، هل يتم بمجرد إعلان القبول أو لا يتم إلا بعلم الموجب بالقبول؟) (٢) ، ثم يذكر نصوصًا من الكتب الفقهية تتعلق بـ (وجوب سماع المتعاقد الآخر الإيجاب) ، وبـ (وجوب سماع الموجب للقبول) بالنسبة للتعاقد بين الحاضرين، وكذلك يذكر منها ما يتعلق بالتعاقد بين الغائبين.

ويعبر د. السنهوري عن النتيجة التي توصل إليها من خلال دراسته في هذه المسألة كالتالي:

(فيتم العقد بين الغائبين، إذن، في الفقه الإسلامي، بإعلان القبول ولا يشترط علم الموجب بالقبول، وإذا كان التعاقد بين الحاضرين يشترط فيه سماع الموجب للقبول كما تصرح النصوص بذلك، فكل ما يشترط في التعاقد بين الغائبين أن يكون الموجب قد أراد تبليغ إيجابه للمتعاقد الآخر كما قدمنا، حتى يعلم بذلك أن إيجابه باتّ، ولا يشترط أن يسمع هو –أي الموجب- قبول المتعاقد الآخر أو يبلغه هذا القبول.


(١) يراجع في هذا الموضوع: الكاساني، بدائع الصنائع، ٥/١٣٨؛ البابرتي (محمد بن محمود) شرح العناية على الهداية، بيروت، ط. دار إحياء بالتراث العربي بالأوفست، ٥/٤٦١؛ ابن الهمام، فتح القدير، ٥/٤٦١-٤٦٢؛ ابن نجيم، البحر الرائق، ٥/٢٩٠؛ العدوي، حاشية العدوي على الخرشي، ٥/٥؛ الدسوقي على الدردير، ٣/٣، ٤؛ النووي، المجموع، ٩/١٦٧؛ البهوتي، كشاف القناع، ٣/١٨٤. (ويجب مراعاة ملاحظتنا السابقة في الهامش رقم ١٢ من البحث) .
(٢) السنهوري، مصادر الحق، ٢/٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>