للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكننا نفضل – بدل المصير على نظرية جديدة – اختيار إحدى النظريات التي ظهرت محاسنها ومساوئها بشكل جلي من خلال التطبيقات القانونية التي هي بمثابة مرآة الحاجة (المصلحة) ، ما لم يوجد دليل خاص في الفقه الإسلامي (دون أن نعترض على إيجاد نظرية جديدة إذا أمكن دعمها بدليل مقنع) .

وينبغي لنا الآن، أن نلم إلمامًا سريعًا بمحاسن ومساوئ تلك النظريات الخمس:

١- نظرية إعلان القبول:

لقد وُجِّه انتقاد إلى هذه النظرية من ناحية التوصيف الفقهي للتعبير عن (القبول) أولًا. لأن القبول إذا تم اعتباره من التعبيرات المتلقاة – تمشيًّا مع الرأي السائد -، لا يمكن القول بأن العقد ينعقد بمجرد الإعلان عن القبول، مثلًا في حالة ما إذا كتب المرسل إليه قبوله في رسالة ثم لم يرسلها إلى الموجب.

إذا تم تبني هذه النظرية فإن إثبات وقت صدور القبول يشكل صعوبة كبيرة إلى درجة إنه يستحيل الإثبات في غالب الأحيان، وعلى سبيل المثال، إذا أعلن المرسل إليه عن قبوله إما بكتابة رسالة – لم يودعها في البريد بعد – أو بتعبير شفهي عند أحد موظفيه فإن العقد يعتبر منعقدًا وينتج آثاره منذ وقت صدور القبول حسب هذه النظرية. ولكن القابل يسعه أن يغير مضمون القبول أو يبطله ما لم يرسله إلى الموجب. أما تمكن الموجب من إثبات صدور هذا القبول ومن إثبات محتواه فلا يمكن الوصول إليه في غالب الأحيان.

إن هذه النظرية – مع أنها لا تتضمن فوائد النظرية التالية (أي نظرية تصدير القبول) - فإنها تنطوي على محاذيرها أيضًا. حيث إن القبول يمكن أن يفقد في الطريق بعد أن أرسله القابل، وأن الموجب الذي ليس على علم بذلك قد يعتبر إيجابه ساقطًا وقد يتعاقد مع شخص آخر ظنًّا منه بأن إيجابه لم يقبله المرسل إليه. وفي مقابل ذلك، يكون القابل في هذه الفترة على ثقة من انعقاد العقد وينظم أموره حسب ذلك.

٢- نظرية تصدير القبول:

وهذه النظرية تتفادى مواطن الضعف والانتقادات الموجهة للنظرية السابقة حيث يتصف القبول فيها بصفة التعبير المتلقي، وتنتفي صعوبات الإثبات إلى حد كبير. وإذا أمعنّا النظر في هذا الحل من زاوية موازنة مصالح الطرفين، نلاحظ أن الموجب هو الذي يتحمل عبء فقدان القبول في الطريق، لأنه يعتبر في مثل هذه الحالة ملزمًا بالعقد مع أنه ليس على علم بالقبول. ومن جهة أخرى يلاحظ أن هذا الحل في صالح القابل لأن هذه النظرية أتاحت له فرصة الاطمئنان إلى انعقاد العقد من جهة والاستفادة من نتائج العقد وآثاره فورًا من جهة أخرى. أما إمكانية الرجوع عن القبول أو التغيير فيه للقابل محدودة بفترة قصيرة جدًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>