للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالرغم من أن الفقهاء لم يتناولوا مسألة اشتراط علم الموجب بخبر القبول في التعاقد بين الغائبين بصورة خاصة، وقالوا بأن العقد ينعقد – بصفة عامة – بمجرد الإعلان عن القبول منطلقين من ظروف زمنهم، فإنه يمكن تبني نظرية العلم في التعاقد بين الغائبين بالتعويل على الرأي السائد الذي يقول باشتراط علم الموجب في التعاقد بين الحاضرين (أي بالتعويل على المبدأ السائد في تفكير الفقهاء أيضًا) على غرار اقتراح د. السنهوري.

بيد أنه تبين من خلال التطبيقات الحقوقية (أي بعد أن قامت مختلف بلاد العالم بتجربة النظريات المختلفة) أن كلًا من هاتين النظريتين تحتمل إلى حدٍ كبير سوء الاستعمال وغير صالحة لتحقيق مصلحة الطرفين. وأن دعوة د. سوار إلى التخلي عن هاتين النظريتين ومحاولته لإيجاد حل وسط بينهما – رغم ادعائه بأن القبول في التعاقد بين الغائبين هو تعبير ملقي بإجماع الفقهاء-، إنْ دل هذا على شيء إنما يدل على أن الانحياز إلى كل من هاتين النظريتين في ظروف وقتنا الحاضر لا يتفق وأسس الفقه الإسلامي.

وكذلك يدل موقف د. السنهوري – الذي له خبرة واسعة في مجال القانون- من هذه القضية (وهو كما سبق – لا يرى تبني نظرية الإعلان ملائمًا لتفكير الفقهاء بالرغم من تصريحه بأن ظاهر أقوال الفقهاء في اتجاه تبني نظرية الإعلان في التعاقد بين الغائبين، ولهذا يميل إلى نظرية العلم) على أن نظرية الإعلان لا تأتي في ظروف يومنا هذا بنتائج يطمئن الفقيه إليها حسب أسس الفقه الإسلامي.

وإذا وضعنا نصب أعيينا التعليلات الفنية التي قام بها الفقهاء المسلمون حين دراستهم لصورة تحقق التراضي (أي تلاقي الإيجاب بالقبول) ، نلاحظ إنهم يجعلون المصلحة والقواعد المستمدة من هذا المبدأ مثل الضرورة والتيسير مهيمنة على الحلول التي توصلوا إليها.

إذن، فإن الحل السليم في هذا الموضوع هو ذلك الحل الذي يسد حاجات الطرفين بأكمل وجه والذي يحصر الخلاف والنزاع في حدِّه الأدنى ولا يؤدي إلى الأمور المنهي عنها في الفقه الإسلامي مثل إضرار الغير والكسب غير المشروع. والذي يجب على الفقهاء المعاصرين في وقتنا الحاضر، هو الأخذ بعين الاعتبار الحلول المحتمل تطبيقها في هذه القضية واختيار أوفقها للأوصاف آنفًا.

وقد سبق أن أشرنا إلى الصور الخمس لحل هذه القضية، وهي تلك الصور التي ظهرت من خلال التطبيقات القانونية في عالمنا اليوم الذي يمتلئ بالعلاقات التجارية المكثفة والتي تبني كلا منها مختلف البلاد في العالم. ولا شك أن الاحتمالات المنطقية لا تنحصر في هذه الصور الخمس، ويمكن إيجاد نظريات جديدة بطريقة إضافة بعض العقود إلى تلك الصور.

<<  <  ج: ص:  >  >>