للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكفي لنا أن نشير هنا إلى موقف اتفاق فيينا في هذه القضية: - ذلك الاتفاق الذي يعتبر ممثلًا لآخر ما توصل إليه معظم الحقوقيين في العالم في هذا المضمار- وهو الانحياز إلى نظرية استلام القبول.

٢- نرى أن د. القره داغي يقع في نفس المعضلة التي وقع فيها د. سوار حيث يفهم من كلامه أنه يعتقد أن الانحياز إلى نظرية العلم (أو إلى نظرية أخرى عدا نظرية الإعلان) يستلزم بالضرورة إعطاء الموجب حق الرجوع عن إيجابه إلى وقت انعقاد العقد. إذا يقول في نظرية العلم مثلًا: (حيث إن للموجب الحق في رفض التعاقد بعد القبول..) ويقول: (.. كما إنه يعطي فرصة لأحدهما أن يسحب إيجابه أو عرضه..) ويقول في نظريات العلم والاستلام والتصدير) وقبل انعقاد العقد على ضوء هذه النظريات يكون للموجب الحق في الرجوع كقاعدة عامة (١) . وهذا المعنى يفهم من كلامه بوضوح أكثر، إذ يقول: (وأما المالكية فهم يقولون بأن الإيجاب ملزم للموجب – كما سبق- فعلى هذا لا يتماشى مع قواعد مذهبهم أن يشترطوا علم الموجب بقبول القابل حتى يتم العقد) (٢) وكما يلاحظ فإن د. القره داغي يظن أن اعتبار الإيجاب ملزمًا لا يسمح لنا بتبني نظرية عدا نظرية الإعلان، وهذا الفهم ليس صحيحًا – كما بينا -.

٣- مع أن كلام المؤلف يعكس حقيقة الأمر حين أشار إلى أن الأدلة التي تدعم نظرية العلم لا تخلو عن كونها أدلة للإثبات، فإننا نلاحظ أن قضية الإثبات في هذا الموضوع تحظى بأهمية بالغة تقتضي القول بالتخلي عن نظرية الإعلان.

٤- نلاحظ أن المؤلف قد أصاب حين أشار إلى نشوء مشاكل تحدث بسبب حالات القبول الضمني. ولكن هذا لا يستلزم بالضرورة أخذ نظرية الإعلان على إطلاقها، بل إن هذه القضية قد تم تنظيم أحكامها بشكل خاص حتى في الأنظمة القانونية التي أخذت بنظرية استلام القبول وبنظرية العلم بالقبول (٣)

* رأي د. الإبراهيم في النظرية التي يجب الأخذ بها.

قبل كل شيء نرى لزامًا علينا أن نذكر أن د. الإبراهيم لم يحالفه الصواب حينما نسب إلى د. سوار قوله أن الفقه الإسلامي يتبنى نظرية العلم بالقبول (٤) . ويبدو أنه لم تتح فرصة دراسة كتاب د. سوار جيدًا، لأن رأي د. سوار في هذا الموضوع هو كما ذكرناه سابقًا.

ونجد د. الإبراهيم أنه يشير إلى أن نظرية الإعلان تمنع الموجب عن الرجوع عن إيجابه (٥) ، وكذلك يلح على أهمية هذه النقطة حين يعبر عن ترجيحه في هذا الموضوع تحت عنوان (موقف الإسلام من النظريات الأربع) (٦) ، أي أنه يخلط أيضًا – كما كان الشأن في كلام كل من د. سوار ود. القره داغي – بين الفكرة الأساسية في هذه النظريات وبين مسألة حق الرجوع عن الإيجاب. والحقيقة أن بعض عبارات المؤلف يدل على أنه لم يجد فرصة كافية لدراسة هذه النظريات كما ينبغي، مثل العبارات التالية: (وتعتبر نظريتا إعلان القبول والعلم به أشهر هذه النظريات وأكثرها أنصارًا) (٧) ، (والملاحظ أن نظرية العلم بالقبول هي التي يميل معظم فقهاء القانون المدني إلى الأخذ بها) (٨) .

(د د) رأينا في هذه المسألة من خلال نقد النظريات السابقة:

إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية تكون العقد يجب القول بأن العقد ينعقد بتلاقي الإيجاب بالقبول في حالة ما إذا توفرت الشروط اللازمة في كل من الإيجاب والقبول وارتباطهما. وهذه النظرة تقتضي تبني (نظرية الإعلان) . ولكن المقصد الأساسي من التعاقد ليس تحقيق بعض الشكليات، بل هو إيجاد بعض الحقوق والالتزامات بتراضي الطرفين، أي تحقيق مصلحة الطرفين، وبالتالي فإن النظر إلى المسألة من هذه الزاوية تقتضي اشتراط علم كل من الطرفين. برضا الطرف الآخر ويؤدي ذلك إلى تبني (نظرية العلم) .


(١) القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١١١٤، ١١٢٦.
(٢) القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٠٩٧.
(٣) لقد أشرنا إلى هذه المسألة أعلاه، انظر، سوار، التعبير، ص١٣٤.
(٤) انظر: الإبراهيم، (حكم إجراء العقود) ، ص١٢٥.
(٥) الإبراهيم، (حكم إجراء العقود) ، ص١٢٠.
(٦) الإبراهيم، (حكم إجراء العقود) ، ص١٢٧.
(٧) الإبراهيم، (حكم إجراء العقود) ، ص١٢٢
(٨) الإبراهيم، (حكم إجراء العقود) ، ص١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>