للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ قمنا بموازنة بين النظريات الثلاث الباقية نجد أن النظرية المختلطة تحاول أن تجمع محاسن نظريتي التصدير والاستلام، وأن تزيل مساوئهما ولهذا يستحق الأخذ بها. إلا أنه يمكن الاعتراض على هذه النظرية من ناحية الفقه الإسلامي بحجة أنها تتضمن خروجًا بينًا على القاعدة الفلسفية التي تقتضي تقدم السبب على مسببه، والقاعدة الفقهية التي تقضي بتعاصر تمام التعبير وإنتاجه لأنه. ومع هذا يمكن التسامح في الخروج عن القاعدة إذا أمكن التأكد من تحقيق المصلحة بهذه الطريقة، لأن هناك مسائل تتقدم الأحكام فيها على أسبابها في الفقه الإسلامي. (١) .

ومع أننا نشارك د. السنهوري فيما ذهب إليه من أن الأمر يرجع قبل كل شيء إلى نية المتعاقدين، بل هو يرجع في الواقع إلى إرادة الموجب، وآمن فرض في تفسير إرادة الموجب أن يفرض ما هو في صالحه، والأصلح له ألا يتم العقد إلا عند علمه بالقبول، فإننا نلاحظ أن د. السنهوري يقترح في نهاية الأمر أخذ نظرية العلم ولكن على أن يكون استلام القبول قرينة على حصول العلم. وكذلك نعرف أن الأخذ بنظرية العلم بهذا القيد يؤدي إلى نظرية استلام القبول باعتبار أغلب نتائجها على الصعيد العملي كما سبق. ولذا نجد د. السنهوري نفسه يقول في الهامش: (ويتفق هذا الرأي مع الرأي الذي أخذ يتغلب في التشريع الحديث، فإن نظرية العلم بالقبول معدلة بنظرية استلام القبول هي النظرية التي يظهر أنها أخذت تكسب أنصارًا أكثر من غيرها من النظريات الأخرى. (٢)

ونظرًا لهذا كله، ونظرًا لعدم اتصاف نظرية استلام القبول بالتعقيد نسبة إلى النظرية المختلطة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضًا أن اتفاق فيينا – الذي يمثل آخر ما توصل إليه معظم الحقوقيين في العالم في هذا الموضوع – قد قرر الانحياز إلى نظرية استلام القبول، فإن ترجيحنا يتعين في الأخذ بهذه النظرية.

٣-٣-٤- تحديد مكان العقد:

إن تشخيص وسائل الاتصال الحديثة وتعيين أحكام التعاقد بها لا يحظى في تحديد مكان انعقاد العقد بأهمية قدر ما يحظى بها في تحديد وقت انعقاد العقد ولهذا سنكتفي هنا بالإشارة إلى أمور ثلاثة في إيجاز شديد:

الأمر الأول: إن تحديد مكان انعقاد العقد يرجع قبل كل شيء إلى مشيئة المتعاقدين، وإلى تفسير وتقدير القاضي حسب الظروف المختلفة التي تحيط بالعقد والمتعاقدين.

الأمر الثاني: يتفق تحديد الوقت مع تحديد المكان في بعض الحالات.

الأمر الثالث: يختلف تحديد الوقت عن تحديد المكان في بعض الحالات الأخرى (٣) .


(١) انظر: سوار، التعبير، ص٩٩، ٦٧.
(٢) السنهوري، نظرية العقد، ص٣٠٣، ٣٠٤ وهامش ١. وينبغي التنبه إلى أن هذا الفهم يتفق وما ورد في الكتب الفقهية من آراء الفقهاء المسلمين، انظر الهامش رقم ٧٩ من هذا البحث.
(٣) ولمزيد من المعلومات انظر: السنهوري, نظرية العقد , ٣٠٩- ٣١٢؛ سلطان , مصادرالالتزام ص ٦٨؛ محمصاني، النظرية العامة، ٢/٦٧؛ GHESTIN، TRAITE de Droit Civil، vol. ٢P. ١٩٣-١٩٤; FEYZIOGLU، Borclar، Hukuku، vol. ١، P. ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>