للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٤-

تصنيف وسائل الاتصال الحديثة

وتعيين الأحكام التي تترتب على كل نوع منها

قبل كل شيء ينبغي لنا أن نلفت النظر إلى أن المقصود هنا من الوسائل هو ما يوفر إمكانية المخابرة أو المراسلة بين طرفي العقد المتباعدين من وسائل الاتصال الحديثة فقط، ولا يدخل في نطاق هذا الموضوع دراسة الأجهزة الأتوماتيكية التي تقوم مقام أحد طرفي العقد (أو كليهما) ، ويمكن للقارئ أن يرجع على عنوان (٣-١-١) لتصور الحالات التي يمكن فيها استخدام وسائل الاتصال من جهة، واستخدام الأجهزة القائمة مقام أحد طرفي العقد في نفس الوقت من جهة أخرى.

إذن، فالسؤال الذي تدور دراستنا حوله هنا هو: إذا تم العقد والطرفان متباعدان تباعدًا ماديًّا إذا تم التعاقد بتوجيه الإيجاب إلى المخاطب بطريقة الكتابة (وليس شفهيًّا) وطرفا العقد في مجلس (مكان) واحد، هل يطبق في هذا العقد أحكام التعاقد بين الغائبين أم أحكام التعاقد بين الحاضرين؟ فهذه المسألة جرت مناقشة حولها في الفقه الغربي وظهرت آراء مختلفة فيها، انظر:

STANDINGER/COING، Kommentar zum burgerliches Gesetzbuch، Berlin، ١٩٥٧، band ١،: ٤٧، no. ٣; FLUME (Werner) ، Allgemeiner Teil dse Burgerlichen Gesetzbuch، Berlin، ١٩٦٠، ١/١، ; ٣٥، ١، ٢،

نقلًا عن:

TEKINAY، Borclar Hukuku، P.٩٥، not.١٥.

انظر لبعض الفرضيات في هذا الموضوع، السنهوري، نظرية العقد، ص٢٨٩ وهامش ٣، ٤. وقد ناقش الفقهاء المسلمون في جواز هذه الصورة للتعاقد أو عدم جوازها. والذي يفهم من خلال هذه المناقشات هو وجوب تطبيق أحكام التعاقد بين الحاضرين في هذه الصورة عند من يجوزها. انظر: القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/٩٤١ –٩٤٩. فهل يطبق على هذا النوع من التعاقد أحكام التعاقد بين الغائبين بصورة مطلقة أم يجب تطبيق أحكام تختلف باختلاف وسائل الاتصال؟

وحسب ما يبدو لنا فإنه ينبغي تناول الوسائل التي يطلق عليها اسم (وسائل الاتصال الحديثة) من ناحية الأحكام التي تترتب على التعاقد بهذه الوسائل في فئتين:

(أ) الهاتف وما شابه من وسائل.

(ب) الكتابة (الرسالة) وما شابه من وسائل.

وقبل الانتقال إلى دراسة كل من هاتين الفئتين نود أن نشير إلى أمرين عامين:

الأمر الأول: لا ينصب اهتمام بحثنا هذا – مبدئيًّا – على مسائل الإثبات التي قد تحدث في التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة كما نبهنا إلى ذلك في (التمهيد وتحديد الموضوع) وعلى هذا فإننا لن نتطرق إلى تناول الصعوبات التي قد تعترض أثناء إثبات التعاقد بالتلفون (١) وسنحصر دراستنا هنا على (انعقاد العقد) فقط.


(١) انظر لبعض الطرق المستخدمة في إثبات التعاقد بالتلفون: السنهوري، نظرية العقد، ص٢٩١ هامش١. علمًا بأن هناك تطورات في مجال التكنولوجيا في الآونة الأخيرة يسهل بفضلها حل هذه القضية إلى حد كبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>