للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثاني: إن الغلط أو التزوير الواقع أثناء تبليغ إرادة أحد الطرفين إلى الطرف الآخر، يشكل موضوعًا خاصًّا بين مواضيع فقه الالتزامات. ولبيان أحكام هذه الحالات يجب أولًا دراسة كل من نظريتي (الإدراة الظاهرة) و (الإرادة الباطنة) (آراء المذهب المادي والمذهب الشخصي) وتناول موقف الفقه الإسلامي من هاتين النظريتين بشكل مفصل وهذا – كما يظهر – يبقى خارج نطاق موضوع بحثنا.

(أ) الهاتف وما شابهه من وسائل الاتصال:

في حالة التعاقد الذي يتم بواسطة هذا النوع من الوسائل يتحقق ارتباط الإيجاب بالقبول كما في التعاقد بين الحاضرين، وإن كانت هنالك مسافة بعيدة بين طرفي العقد لأن الإعلان عن القبول والعلم به يتحققان بآن واحد – عدا بعض الحالات الاستثنائية – ولهذا يجب تطبيق أحكام التعاقد بين الحاضرين من حيث الزمان إذا تم العقد بهذه الطريقة. ويلاحظ أن التشريعات الحديثة وآراء الباحثين في الفقه الإسلامي تتفق على قبول هذه المنطقة (١) .

والسمة المميزة في التعاقد بالتليفون هي أن هذه الطريقة تمكّن الطرفين من تبادل التعبير عن إرادتهما وإجراء مفاوضات العقد بينهما بشكل شخصي كما كان في التعاقد بين الحاضرين بعينه. ففي مثل هذه المكالمة لا يصعب – من الناحية الفقهية – القيام بتثبيت ما به يتعين تحقق أو عدم تحقق ارتباط الإيجاب بالقبول، أو الإعراض عن العقد أو انفضاض مجلس العقد، فلهذا يجب أن تتصف الوسائل التي يمكن إلحاقها بهذه الفئة بالصفة المشار إليها آنفًا في المكالمة التلفونية. إذن يمكن القول بأن التلفون التلفزيوني (الآلة التي تجعل الصورة مصاحبة للصوت) وما شابهه يلحق بهذه الفئة من باب أولى. أما الوسائل مثل التلكس والفاكس وما شابهها فإننا لا نرى إلحاقها بهذه الفئة بصورة مطلقة.

وليتضح لنا هذا الأمر يجب أن يقوم بتحليل بعض الحالات في التعاقد بالتلفون ثم نقارن بينه وبين التعاقد بهذه الوسائل:

لنفرض أن المكالمة انقطعت أثناء التعاقد بالتلفون وذلك بعد أن صدر الإيجاب من الموجب وسمعه المخاطب، فهل يعتبر الإيجاب في هذه الحالة ساقطًا وبالتالي لا ينعقد العقد حتى ولو رفع الطرف الآخر الهاتف فورًا وعبر عن قبوله مخاطبًا الموجب، أو يعتبر أن الإيجاب لا زال قائمًا ويمكن بالتالي انعقاد العقد إذا عبر المخاطب عن قبوله بهذا الشكل؟


(١) انظر مثلًا: الإبراهيم، (حكم إجراء العقود) ص١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>