للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نلاحظ أن رجال القانون (في الفقه السويسري والألماني) يفرقون في هذه المسألة بين احتمالين مختلفين: لو كانت المكالمة قد انقطعت بسبب عرض فنّيّ فإن الإيجاب يعتبر ساقطًا. أما إذا انقطعت المكالمة بفعل صدر عن الموجب عمدًا فإن للمخاطب حق بناء قبوله على هذا الإيجاب بأن يهتف فورا أو بأن يرسل القبول بوسيلة سريعة مثله (١) .

والذي يجب الانتباه إليه هنا هو أن الرأي القائل بأن الإيجاب يبقى قائمًا في الاحتمال الثاني ينطلق من حكم إلزامية الإيجاب. ولكننا إذا انطلقنا من حكم خيار الرجوع عن الإيجاب ما لم يصدر القبول (وهو الرأي السائد في الفقه الإسلامي والذي نراه راجحًا بالنسبة للتعاقد بين الحاضرين فيما إذا لم يحدد الموجب ميعادًا للقبول) ، ينبغي لنا القبول بأن الإيجاب يسقط حتى في حالة انقطاع المكالمة بسبب الفعل الصادر عن الموجب عمدًا. وحقيقة، أن الموجب إذا قصد من وراء فعله هذا الرجوع عن إيجابه نادمًا على هذا الإيجاب الذي لم يحدّد ميعاد معين لقبوله والذي لم يرتبط بالقبول بعدُ فإن منح هذا الحق له يكون أقرب للعدل وأوفق لمبادئ الالتزامات المعروفة في الفقه الإسلامي، إلى جانب صعوبات الإثبات التي تتمثل في انقطاع الخط بسبب فنّيّ أو بسبب فعل صادر عمدًا. وعلى هذا لا يمكن بناء القبول على الإيجاب الساقط في مثل هذه الحالة ولو وجه المخاطب قبوله بوسيلة أخرى فورًا.

والحقيقة أن القبول إذا صدر عقب الإيجاب (أي دون أن يكون بينهما فاصل زمني يتجاوز الحد المسموح في التعاقد بين الحاضرين) في التعاقد بواسطة التلكس وما شابهه فإن تعيين نوعية التعاقد (أي هل هو تعاقد بين حاضرين أم بين غائبين) ، لا يحظى بأهمية كبيرة على الصعيد العملي. لأن المدة التي تفصل بين الإيجاب والقبول قصيرة جدًّا، ولا تختلف النتائج العملية اختلافًا كبيرًا في مثل هذه الحالة أيًّا كان ترجيحنا في النظريات التي تحدد وقت انعقاد العقد، ولعل أهم مسألة في هذه الحالة هي أن يرسل المخاطب خبر رجوعه عن القبول إلى الموجب بوسيلة أسرع من الوسيلة التي استخدمها في إرسال القبول، ولا شك أن إلحاق هذه الوسائل إلى الفئة الأولى – التي نحن بصددها – أو إلى الفئة الثانية التي سنتناولها في السطور القليلة القادمة يكتسب أهمية لا يستهان بها.


(١) FLUME (Werner) Allgemeiner Teil des Burgerlichen Rechts، des Rechtsgeschaft، ١٩٦٥.: ٣٥، ١.٢ P.٦٣٨; نقلًا عن: TEKINAY، Borclar Hukuku، P.٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>