للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تطبيق أحكام هذه الفئة بأسرها على تعاقد ما يجب أن يتم تبادل الإيجاب والقبول في عملية الاتصال نفسها وعن طريق الوسائل الداخلة في هذه الفئة. فمثلًا إذا تم إرسال الإيجاب عن طريق التلغراف وإذا تم تبليغ القبول إلى الموجب أو نائبه بالذات عن طريق التلفون، يجب تطبيق أحكام التعاقد بين الغائبين على هذا العقد بالنسبة للفترة التي تسبق وقت القبول، أما وقت انعقاد العقد فلا يختلف باختلاف النظريات الخمس المعروفة لأن القبول قد صدر وتم التعلم به في آن واحد. ولك إذا بلغ الموجب إيجابه عن طريق التلفون وحدد للمخاطب ميعادًا للقبول وإذا تم تبليغ القبول بعد فترة من الزمن فإن هذا الإيجاب يعتبر كأنه تم تبليغه بالوسائل التي تدخل في الفئة الثانية.

والحري بنا أن نذكر أن بعض الحقوقيين يميلون إلى تطبيق النظريات التي تحدد وقت انعقاد العقد على تحديد مكان انعقاد العقد أيضًا، وعلى هذا يقولون بأن التعاقد بالتلفون – بالرغم من أنه يعتبر كالتعاقد بين الحاضرين من حيث الزمان – يسترجع صفته الحقيقية من حيث المكان ويصبح المكان بين غائبين وأن العقد يعتبر قد تم في مكان (بلد) من صدر منه الإيجاب إذا أخذنا بنظرية العلم وفي مكان (بلد) من صدر منه القبول إذا أخذنا بنظرية الإعلان (١) . ومع أن د. السنهوري يقول: (ولذلك قيل إن التعاقد بالتلفون هو تعاقد فيما بين حاضرين من حيث الزمان) مشيرًا إلى المادة (١٤٧) من القانون المدني الألماني والمادة (٤) من قانون الالتزامات السويسري (٢) ، فإننا لم نجد عبارة (من حيث الزمان) في هذين القانونين، بل نرى أنهما ينصان على هذا الحكم بصورة مطلقة. وهناك تشريعات حديثة نصت على أن التعاقد بطريقة الهاتف أو بأي طريقة مشابهة يسري عليه حكم التعاقد بين الحاضرين من حيث الزمان وحكم التعاقد بين الغائبين من حيث المكان مثل القانون المدني السوري (م.٣٥) والأردني (م.١٠٢) . ويلاحظ أن المادة (٩٤) من القانون المدني المصري اكتفت بالإشارة إلى أحكام التعاقد بالتلفون (أو بأي طريق مماثل) حينما نصت على أحكام التعاقد بين الحاضرين. أما القانون اللبناني فقد ذهب إلى حل مرن، فنص أن العقد الذي ينشأ بالمخاطبة التلفونية يعد بمثابة العقد المنشأ بين أشخاص حاضرين. وحينئذ يعين محل إنشائه إما بمشيئة المتعاقدين، وإما بواسطة القاضي وبحسب أحوال القضية (م.١٨٥) (٣) .


(١) السنهوري، نظرية العقد، ص٣١٢.
(٢) السنهوري، نظرية العقد، ص٢٩٠ وهامش٣.
(٣) محمصاني، النظرية العامة، ٢/٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>