للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن، يجب أن لا يفوتنا أن الأحكام الواردة في الكتب الفقهية بهذا الخصوص منوطة بالمصالح التي راعاها الفقهاء نظرًا لظروف وحاجات زمنهم، وتجب مراجعة هذه الأحكام حسب الحاجات المستجدة.

٣- يلاحظ أن الفقهاء –حين تناولهم لمسائل انعقاد العقد التي لم ترد نصوص خاصة في أحكامها وحين إيجادهم حلولًا مناسبة لهذه المسائل- يلاحظ أنهم راعوا المبدئين التاليين واتفقوا على التنويه بهما وإن كانوا قد اختلفوا في تعيين الحلول التي تحققهما بأكمل وجه. وهما:

(أ) التراضي (الابتعاد عن الكسب غير المشروع) .

(ب) تحقيق المصلحة (سد حاجات الناس) .

وحتى أن الفقهاء الذين أوجدوا نظريات فقهية تمثل الحد الأقصى للتصوير المادي وتعكس النزعة الموضوعية الحاسمة لاهتمامهم البالغ بالمفاهيم الفقهية، فإنه يمكن القول بأن جهودهم كانت مبذولة من أجل التفتيش والبحث عن وجود ارتباط الإيجاب بالقبول بما لا يدع مجالًا للشكل من تحقق التراضي.

أما اهتمامهم بمبدأ المصلحة فيلاحظ بشكل جلي حينما أشاروا إلى محاذير التشدد في التمسك بالقياس (القاعدة العامة) بمناسبات كثيرة معبرين عن أهمية مبدأ المصلحة بعبارات مثل (دفعًا للعسر) ، و (دفعًا للحرج) ، و (لجلب اليسر) ، و (سد الحاجة) ونحوها.

وهناك أمر هام وهو أن العرف قد لعب دورًا بالغ الأهمية أثناء تطبيق هذين المبدئين في حوادث الحياة الواقعية – ما لم يتعارض العرف مع النص-، وهذا الدور قد اعترف به التشريع الإسلامي واعتمد الفقهاء المسلمون في عدد كبير من اجتهاداتهم –بالرغم من عدم احتلال العرف مكانًا مرموقًا في كتب الأصول (١) . ويمكن أن نذكر على سبيل المثال بالنسبة لموضوع بحثنا أحكام انعقاد العقد التي أوردها الفقهاء في بيع (المزايدة) والتوضيحات الواردة في كتبهم حول تحليل هذه الأحكام، إلى جانب أمثلة كثيرة لا يسع هذا المقام ذكرها.


(١) ينظر في هذا الموضوع: دونمز (إبراهيم كافي) ، العرف في الفقه الإسلامي، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت.

<<  <  ج: ص:  >  >>