للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد، فإن الله تعالى ذكره إنما كنَّى بقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} عن ذكر النساء اللائي قد جرى ذكرهن في الآية قبلها وذلك قوله {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} والصبايا لا يسمين نساء وإنما يسمين صبايا أو جواري، وإنما النساء في كلام العرب جمع اسم المرأة ولا تقول العرب للطفلة والصبية والصغيرة: امرأة، كما لا تقول للصَّبي الصغير: رجل، وإذا كان ذلك كذلك وكان قوله: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} عند الزاعمين أنه الولي إنما هو أو بعض {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} عما وجب لوليته التي تستحق أن يولي عليها مالها إما لصغر وإما لسفه والله تعالى ذكره إنما اقتصر في الآيتين قصص النساء المطلقات لعموم الذكر دون خصوصه وجعل لهن العفو بقوله: {إَلَّا أَنْ يَعْفُونَ} كان معلومًا بقوله {إَلَّّا أَنْ يَعْفُونَ} أن المعنيات منهن بالآيتين اللتين ذكرهن فيهما جميعهن دون بعضهن إذ كان معلومًا أن عفوَ مَنْ تولى عليه ماله منهن باطل وإذا كان ذلك كذلك فبين أن التأويل في قوله: أو يعفو الذي بيده عقد نكاحهن، يوجب أن يكون لأولياء الثيبات الرشد البوالغ من العفو عما وجب لهن من الصداق بالطلاق قبل المس مثل الذي لأولياء الأطفال الصغار والمولى عليهن أموالهن لسفه وفي إنكار القائلين أنّ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} الولي عفو أولياء الثيبات الرشد البوالغ على ما وصفناه وتفريقهم بين أحكامهم وأحكام أولياء الأخر ما أبان عن فساد تأويلهم الذي تأولوه في ذلك، ويسأل القائلون بقولهم في ذلك الفرق بين ذلك من أصل أو نظير فلن يقولوا في شيء من ذلك قولًا إلا ألزموا خلاف مثله.

وقال الرازي في [مفاتيح الغيب: المجلد ٣، ٦/١٥٣، ١٥٥] :

أما قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ففيه مسألتان:

(المسألة الأولى) : في الآية قولان:

الأول: هو الزوج وهو قول علي ابن أبي طالب عليه السلام وسعيد بن المسيب وكثير من الصحابة والتابعين وهو قول أبي حنيفة.

والقول الثاني: أنه الولي وهو قول الحسن ومجاهد وعلقمة، وهو قول أصحاب الشافعي.

حجة القول الأول وجوه:

الأول: أنه ليس للولي أن يهب مهر موليته صغيرة كانت أو كبيرة، فلا يمكن حمل هذه الآية على الولي.

والثاني: أن الذي بيد الولي هو عقد النكاح فإذا عقد حصلت العقدة لأن بناء الفعلة يدل على المفعول كالأكلة واللقمة، وأما المصدر فالعقد كالأكل واللقم. ثم من المعلوم أن العقدة الحاصلة بعد العقد في يد الزوج لا في يد الولي.

<<  <  ج: ص:  >  >>