ويقال لمن أبى: ما قلنا ممن زعم أن (الذي بيده عقدة النكاح) ولي المرأة، هل يخلو القول في ذلك من أحد أمرين إذا كان (الذي بيده عقدة النكاح) هو الوليّ عندك، إما أن يكون ذلك كل وليّ جاز له تزويج وليته، أو يكون ذلك بعضهم دون بعض فلن يجد إلى الخروج من أحد هذين القسمين سبيلًا فإن قال: إن ذلك كذلك قيل له: فأي ذلك عنا به؟ فإن قال لكل ولي جاز له تزويج وليته قيل له: أفجائز للمعتق أمة تزويج مولاته بإذنها بعد عتقه إياها؟! فإن قال: نعم , قيل له: أفجائز عفوه إن عفا عن صداقها لزوجها بعد طلاقه إياها قبل المسّ؟! فإن قال: نعم، خرج من قول الجميع، وإن قال: لا، قيل له: ولم؟! وما الذي حظر ذلك عليه وهو وليها. الذي بيده عقدة نكاحها؟!
ثم يعكس القول عليه في ذلك ويسأل الفرق بينه وبين عفو سائر الأولياء غيره وإن قال لبعض دون بعض: سئل البرهان على خصوص ذلك، وقد عمّه الله تعالى ذكره ولم يخصص بعضًا دون بعض؟! ويقال له: من المعني به إن كان المراد بذلك بعض الأولياء دون بعض؟! فإن أومأ في ذلك إلى بعض منهم سئل البرهان عليه، وعكس القول فيه، وعورض في ذلك بخلاف دعواه ثم لن يقول في ذلك قولًا إلا ألزم الآخر مثله.
فإن ظن ظانَّ أن المرأة إذا فارقها زوجها فقد بطل أن يكون بيده عقدة نكاحها، والله تعالى ذكره إنما أجاز عفو الذي بيده عقد نكاح المطلقة فكان مع معلومًا بذلك أن الزوج غير معني به وأن المعني به هو الذي بيده عقدة نكاح المطلقة بعد بينونتها من زوجها وفي بطول ذلك، أن يكون حينئذ بيد الزوج صحة القول بيد الولي الذي بيده عقد النكاح إليها وإذا كان ذلك كذلك صح القول بأن الذي بيده عقدة النكاح) هو الولي فقد غفل وظن خطأ وذلك أن معنى ذلك أن يعفو الذي بيده عقدة نكاحه وإنما أدخلت الألف واللام في النكاح بدلًا من الإضافة إلى الهاء التي كان النكاح ولو لم تكن (أل) فيه مضافًا إليها كما قال الله تعالى ذكره: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[سورة النازعات: الآية ٤١] فإن الجنة مأواه كما قال نابغة بني ذبيان:
لهم حجة لم يعطها الله غيرهم
من الناس فالأحلام غير عوازب
بمعنى: فأحلامهم غير عوازب والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، فتأويل الكلام {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وهو الزوج الذي بيده عقدة نكاح نفسه في كل حال قبل الطلاق وبعده لا إنّ معناه: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن، فيكون تأويل الكلام ما ظنه القائلون أنه ولي المرأة لأن ولي المرأة لا يملك عقد نكاح المرأة بغير إذنها إلا في حال طفولتها، وتلك حال لا يملك العقد عليها إلا بعض أوليائها في قول أكثر من رأي أن {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} الولي ولم يخصَّص الله تعالى ذكره بقوله: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} بعضًا منهم فيجوز توجيه التأويل إلى ما تأوَّلوه أو كان لما قالوا في ذلك وجه.