قال الطبري في [جامع البيان: ٢/٣٣٥، ٣٤٠] عند تفسير قوله سبحانه وتعالى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} :
اختلف أهل التأويل في من عنى الله تعالى ذكره بقوله:(الذي بيده عقدة النكاح) ، فقال بعضهم/ هو ولي البكر، وقالوا: ومعنى الآية: أو يترك الذي يلي على المرأة عقدة نكاحها من أوليائها للزوج النصف الذي وجب للمطلقة عليه قبل مسيسه فيصفح له عنه إن كانت الجارية ممن لا يجوز لها أمر في حالها.
ثم ساق بأسانيده مقولات القائلين بهذا التأويل. وأفاض في ذلك على أنهم قلة، وسننقل أسماءهم عن الطبري والرازي إذ ساقاها بإيجاز.
ثم قال: وقال آخرون: بل (الذي بيده عقدة النكاح) الزوج، قالوا: ومعنى ذلك: أو يعفو الذي بيده نكاح المرأة فيعطيها الصداق كاملًا.
ثم ساق كلام هؤلاء وهم كثر مسندة كعادته، وننقل منها رواية واحدة لما فيه من دلالة خاصة.
قال: حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير قال: (الذي بيده عقدة النكاح) هو الزوج. قال: وقال مجاهد وطاووس: هو الوالي قال: قلت لسعيد: فإن مجاهدًا وطاووسًا يقولان: هو الولي. قال سعيد: فما تآمروني إذن؟
ثم قال: أرأيت لو أن الولي عفا وأبت المرأة أكان يجوز ذلك؟! ، فرجعت إليهما فحدثتهما فرجعا عن قولها وتابعا سعيدًا.
ثم قال ابن جرير –رحمه الله-: أولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: المعنى بقوله (الذي بيده عقدة النكاح) : الزوج، وذلك لإجماع الجميع على أن ولي جارية بكر أو ثيب صبية، صغيرة كانت أو مدركة كبيرة، لو أبرأ زوجها من مهرها قبل طلاقه إياها أو وهبه له أو عفا له عنه، أن إبراءه ذلك وعفوه له عنه باطل، وان صداقها عليه ثابت ثبوته قبل إبرائه إياه منه، فكان سبيل ما أبرأ من ذلك بعد طلاقه إياها سبيل ما أبرأ منه قبل طلاقه إياها.
وأخرى أن الجميع مجمعون على أن ولي امرأة محجور عليها أو غير محجور عليها، لو وهب زوجها لمطلقها بعد بينونتها منه درهمًا من مالها على غير وجه العفو منه عمّا وجب لها من صداقها قبله، أنّ هبته ما وهب من ذلك مردودة باطلة، وهم مع ذلك مجمعون على أن صداقها من مالها فحكمه حكم سائل أموالها.
وأخرى أنّ الجميع مجمعون على أن بني أعمام المرأة البكر وبني إخوتها من أبيها وأمها من أوليائها، وأن بعضهم لو عفا عن مالها بعد دخوله بها أن عفوه ذلك مما عفا له عنه منه باطل، وأن حق المرأة ثابت عليه بحاله، فكذلك سبيل عفو كل ولي لها كائنًا من كان من الأولياء، والدًا كان أو جدًّا أو أخًا، لأن الله تعالى ذكره لم يخصص بعض الذين بأيديهم عقدة النكاح دون بعض في جواز عفوه إذا كانوا ممن يجوز حكمه في نفسه وماله.