للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي في [الجامع لأحكام القرآن: ٣/٢٠٦، ٢٠٨] :

وروي الدارقطني مرفوعًا من حديث قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وليّ عقدة النكاح الزوج)) . وأسند هذا عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح قال: وكذلك قال نافع بن جبير ومحمد بن كعب وطاووس ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير زاد غيره: ومجاهد والثوري واختاره أبو حنيفة وهو الصحيح من قول الشافعي، كلهم لا يرى سبيلًا للوليّ على شيء من صداقها للإجماع على أن الوليّ لو أبرأ الزوج من المهر قبل الطلاق لم يجز فكذلك بعده، وأجمعوا على أنّ الوليّ لا يملك أن يهب شيئا من مالها، والمهر مالها، وأجمعوا على أنّ من الأولياء من لا يجوز عفوهم وهم: بنوا العم وبنوا الإخوة وكذلك الأب والله أعلم.

ومنهم من قال: هو الوليّ، أسنده الدارقطني أيضًا عن ابن عباس قال: وهو قول إبراهيم وعلقمة والحسن، وزاد غيره: وعكرمة وطاووس وعطاء وأبي الزناد وزيد بن أسلم وربيعة ومحمد بن كعب وابن شهاب والأسود بن يزيد والشعبي وقتادة ومالك والشافعي في القديم، فيجوز للأب العفو عن نصف صداق ابنته البكر إذا طلقت بلغت المحيض أو لم تبلغه. قال عيسى بن دينار: ولا ترجع بشيء منه إلى أبيها.

والدليل على أن المراد الولي أن الله سبحانه وتعالى قال في أول الآية: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ، فذكر الأزواج وخاطبهم بهذا الخطاب ثم قال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فذكر النسوان: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فهو ثالث، فلا يرد إلى الزوج المتقدم إلا لو لم يكن لغيره وجود، وقد وجد وهو الوليّ فهو المراد.

ثم قال: وأيضًا فإن الله تعالى قال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} ، ومعلوم أنه ليس كل امرأة تعفو، فإن الصغيرة والمحجور عليها لا عفو لها، فعين الله القسمين فقال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} ، أي: كن لذلك أهلا {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ، وهو الوليّ لأن الأمر فيه إليه، وكذا روى ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن القاسم عن مالك أنه الأب في ابنته البكر والسيد في أمته. وإنما يجوز عفو الولي إذا كان من أهل السداد ولا يجوز عفوه إذا كان سفيهًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>