للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأساس العقود الثابت في الإسلام هو هذه الجملة البليغة المختصرة المفيدة {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، وهي تفيد أنه يجب على كل مؤمن أن يفي بما عقده وارتبط به، وليس لأحد أن يقيد ما أطلقه الشارع إلا ببينة منه، التراضي من المتعاقدين شرط في صحة العقد لقوله تعالى: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [سورة النساء: الآية ٢٩] ، وأما الإيجاب والبول فلا نص فيه وإنما عبارة عن العقد نفسه إذ الغالب فيه أن يكون بالصيغة اللفظية قولًا أو كتابة، والإشارة تقوم مقام العبارة عند الحاجة كإشارة الأخرس، والفعل أبلغ من القول في حصول المقصد من العقد كبيع المعاطاة الذي منعه بعضهم تعبدًا بصيغة الإيجاب والقبول اللفظية، ومثل بيع المعاطاة إعطاء الثوب للغسال أو الصباغ أو الكواء، فمتى أخذه منك كان ذلك عقد إجارة بينكما بأجرة المثل، ومن هذا القبيل إعطاء المال لمن بيده تذاكر السفر في سكك الحديد أو البواخر وأخذ التذكرة منه، ومثله دخول الحمام وركوب سفن الملاحين ومركبات الحوذية والذين يأخذون الأجرة بعد إيصال الراكب إلى المكان الذي يقصده.

فكل قول أو فعل يعدُّه الناس عقدًا فهو عقد يجب أن يوفوا به كما أمر الله تعالى ما لم يتضمن تحريم حلال أو تحليل حرام مما ثبت في الشرع كالعقد بالإكراه، أو على إحراق دار أحد، أو قطع شجر بستانه، أو على الفاحشة، أو أكل شيء من أموال الناس بالباطل كالربا والميسر (القمار) والرشوة، فهذه الثلاثة منصوصة في الكتاب والسنة. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما في صحيح مسلم وغيره لأنه من قبيل الميسر في كونه مجهول العاقبة وهو من الغش المحرم أيضًا. وقد توسع بعض الفقهاء في تفسير الألفاظ القليلة التي وردت في الكتاب والسنة فأدخلوا في معنى الربا والغرر ما لا تطيقه النصوص من التشديد ودعموا تشديداتهم بروايات لا تصحُّ وأشدُّهم تضييقًا في العقود الشافعية والحنفية وأكثرهم تسامحًا وسَعة المالكية والحنابلة.

ومن الأصول التي بنوا عليها معظم تشديداتهم في ذلك ذهاب بعضهم إلى أن الأصل في العقود والشروط الحظر، فلا يصح منها إلا ما دل الشرع على صحته، وأن كل ما يخالف مقتضى العقد باطل وعدُّوا من هذا ما يمكن أن يقول أنه ليس منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>