فقد كانت البلدان المتجاورة في قديم الزمان بمثابة المتباعدة، بحيث تكون القرية عن القرية الأخرى قدر مائة كيلو أو أقل أو اكثر، فثبت رؤية الهلال في إحدى القريتين ولا تعلم الثانية بثباته فيها لصعوبة الاتصالات بينهما إلا عن طريق البعير والحمار، فيحكم قاضى تلك البلدة بصحة رؤية الهلال بشاهدين عدلين، ويأمر بالعمل بذلك من الصوم أو الفطر، فتصوم هذه القرية والبلدة الأخرى المجاورة لها مفطرون، حيث لم يروا الهلال ولم يبلغهم خبر رؤيته.
وكلا القريتين على حق لا الصائمون ولا المفطرون، لأن هذا هو غاية جهدهم واجتهادهم، سواء أصابوا أو أخطأوا، لأن كل مجتهد في مثل هذا هو غاية جهدهم واجتهادهم، سواء أصابوا أو أخطأوا، لأن كل مجتهد في مثل هذا يعتبر مصيبا في حصول الأجر وحط الوزر، إذ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} .
ما عدا قضاء ذلك اليوم الذي سبقت به إحدى القريتين، فإنه من اللازم بالاتفاق وفي الغالب انه متى ثبتت رؤيته في مثل هذه البلاد رؤية صحيحة، فإنه يرى غالبا في أكثر البلدان فينتشر أمره ويشتهر خبره، وهذا هو حقيقة الحكمة في خلقه، حيث جعله الله ميقاتا للناس والحج.
ولو قدر خطأ هذه الرؤية، فإنه هذا الخطأ لا يتعدى مكان البلد المشهود فيها وما حولها فلا يتعدى إلى البلدان الأخرى.
أما الآن وفي هذا الزمان، فإنه بمقتضى اختراع الآلات الناقلة للذوات والمقربة للأصوات من برقيات وإذاعات وتليفونات وتلفزيونات، فقد صارت الدنيا كلها كمدينة واحدة وكأن عواصمها على بعدها غرف متجاورة يتخاطبون بينهم شفاهيا من بعيد كتخاطبهم من قريب فيسرى خبر الرؤية في مشارق الأرض ومغاربها في ساعة واحدة، سواء كان الخبر صحيحا أو غير صحيح، فيعم الناس الخطأ كما يعمهم الصواب.