فمتي كان الأمر بهذه الصفة، فإن من الحزم وفعل أولى العزم أن يحسب لهذا الأمر الحساب ويستخدم له سائر الوسائل والأسباب من كل ما يقتضي التوثق والثبات بشهادة المعروفين بالعدالة والثقة والرؤية الثابتة المحققة في دخول الشهر وخروجه حتى يكون الناس آمنين على إكمال صومهم فرحين بعيد فطرهم فلأن نخطئ في التوثق والاستحياط أولى من أن نخطئ في التساهل والاستعجال، وهذا هو حقيقة ما ندعو إليه وننصح به، والله عند لسان كل قائل وقلبه.
وأما حديث ابن عمر في شهادته على الهلال، وكذا حديث الأعرابي الصحابي، فقد وقعت الشهادتان على دخول رمضان ولعلها في قضية واحدة في سنة واحدة أو في سنين متفرقة.
وعلى كلا الأمرين فليس في الحديثين ما يدل على انه لم ير الهلال أحد غيرهما، لا من أهل المدينة ولا من حولها من الأعراب، إذ عدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم، ومن المحتمل أن يكون شاركهما غيرهما في رؤيته، وإن لم يذكر في الحديث اكتفاء بصدور الأمر من رسول الله في ثباته.
ثم إنه لا تقاس شهادة ابن عمر وهذا الاعرابي الصحابي على شهادة غيرهما من أهل هذا الزمان، ممن لا تعرف عدالتهم ولا تفثهم، إذ من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف تقوى هذين الشاهدين وثقتهما، فأمضى شهادتهما، إذ القصد الخبر اليقين بالرؤية، وقد وقف رسول الله على حقيقة ذلك (١) .
(١) إذ لا يشترط لصحة الدخول في صوم رمضان حكم القاضي بذلك بل لو أخبره ثقة عدل رأى هلال رمضان فصدقه وجب عليه أن يصوم، وكذا لو رأي بنفسه الهلال فردت شهادته أو لم يشهد به بخلاف ما لو رأي بنفسه هلال شوال فلم تقبل شهادته أو لم يشهد به، فإنه يجب عليه أن يصوم مع الناس ولا يفطر إلا معهم