للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أن ابن عباس راوى حديث الأعرابي لم يقبل قول كريب وحده في رؤية دخول رمضان وقد أخبره أن معاوية صام وصام الناس معه حتى قال: أما نحن فنصوم حتى نراه أو نكمل العدة ثلاثين يوما، كما أمر رسول الله بذلك.

ثم أن الإثبات يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين عدلين لما يعلمه من صدقه وثقته وأمانته، ومن ذلك انه يشهد الرجل الثقة العدل على الشيء ويشهد بضده عشرة رجال ممن لا تعلم عدالتهم ولا ثقتهم فيمضى القاضى شهادة الواحد العدل ويرد شهادة العشرة لكون الكمية لا تغني عن الكيفية شيئا فإن قيل: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب العمل في الصوم والفطر بشهادة الشاهدين، كما روى أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، انه خطب الناس في اليوم الذي شك فيه، فقال: إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم كلهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)) ، فهذا حديث ثابت، يحمل على المراد منه والمقصود به، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا شهد شاهدان أن يصوموا ويفطروا، لأنه لن يشهد شاهدان عدلان برؤيته الثابتة في بلد كالمدينة إلا وقد رآه الكثير من الناس في سائر الآفاق، لاعتبار أن كل بلد تراه كذلك أو أكثر البلدان، إذ القصد من الشهود على الرؤية هو إثبات اليقين والحقيقة وهي تحصل بشهادة العدلين، وقد أمضى النبي صلى الله عليه وسلم شهادة ابن عمر وشهادة الأعرابي الصحابي، لما وقف على حقيقة صدقهما، غير انه لم يكن مراد النبي صلى الله عليه وسلم انه متى شهد شاهدان مجهولان على رؤية الهلال وجميع الناس لم يروه انه يجب إمضاؤه وتكليف الناس بالعمل بشهادتهما على قرب الديار وبعدها، فهذا لم يكن مرادا منه أبدا، والشهادة أمانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>