وأول ما يفقد الناس من دينهم الأمانة وآخر ما يفقدون من دينهم الصلاة ومعلوم فقدان أكثر الناس في هذا الزمان لعمود دينهم وأمانة ربهم، فضلا عن فقدان أماناتهم واستخفافهم بشهاداتهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر قبل وقوعه، كما في الصحيحين عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، لا أدري أذكر مرتين أو ثلاثا، ثم يجئ قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن)) .
ففي هذا الحديث الإشارة إلى استخفاف الناس في آخر الزمان بالشهادة، وأنهم يشهدون بما لم يشاهدون وبما لم يحيطوا بعمله.
وقد روي من حديث ابن عباس، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهد عنده، فقال له: ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: مثلها فاشهد أو دع (١) .
فالعدالة التي يشترطها الفقهاء لصحة الشهادة على الهلال وغيره قد صارت مفقودة في هؤلاء الأفراد، الذين يشذ أحدهم بشهادته على الهلال من بين مجموع سائر الناس، بحيث يدعي أحدهم رؤيته الليلة ثم لا يراه جميع الناس الليلة الثانية، ويدعي رؤيته في وقت هي مستحيلة فيه بمتقضى الدليل العقلي على عدم إمكانها، كأن يراه الناس نيرا مضيئا صباحا فيما بين الفجر وطلوع الشمس ثم يدعي أحدهم رؤيته مساء من ذلك اليوم، وهذا لا يتفق ابدا والدعوى برؤية الهلال معه تعتبر كاذبة كما سيأتي بيانه.
(١) هذا الحديث ساقه ابن حجر في بلوغ المرام من رواية ابن عدي، قال وصححه الحاكم فأخطأ