وهذه المسألة ترجع إلى قضية من أفطر في نهار رمضان، يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب، وقد وقعت هذه القضية على الصحابة – رضي الله عنهم – كما روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنى عبد الله بن شيبة، حدثنا أبو اسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن اسماء بنت أبي بكر قالت:"أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غميم ثم طلعت الشمس، قيل لهشام: أفأمروا بالقضاء، قال: بد من قضاء، وقال معمر: سمعت هشاما قال: لا أدرى أقضوا أم لا". قال في فتح الباري:(اختلف عن عمر في ذلك فروى عنه ترك القضاء قائلا: لم نقض إنما لم نتجانف الإثم) وروى مالك عنه انه قال: الخطب يسير وقد اجتهدنا.
وروى عبد الرزاق، عنه انه قال: نقض يوما، وروى سعيد بن منصور عنه: وفيه من أفطر منكم فليصم يوما مكانه، قال: وجاء ترك القضاء عن مجاهد والحسن، وبه قال إسحاق وأحمد في رواية واختاره ابن خزيمة، انتهى.
وظاهر المذهب وجوب القضاء لكون الأصل بقاء النهار. وحكي في الافصاح اتفاق الأئمة على وجوب القضاء.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عدم القضاء لدخوله في عموم قوله: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وكما لو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع فتبين انه طالع فلا قضاء عليه في ظاهر المذهب.
وقد نص الفقهاء على انه لو وقف الناس بعرفة اليوم الثامن خطأ، فإن حجهم صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((الحج يوم يحج الناس وهذا يوم حج الناس)) ، على حسب اجتهادهم، كما لو اجتهد إنسان فصلى ثم تبين انه صلى إلى غير جهة القبلة، فإن صلاته صحيحة ولا يعيدها، لكون المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر الذي يسعهم العلم به، فإذا اجتهدوا فأخطأوا فلا حرج عليهم، أشبه بالقاضى إذا اجتهد وأخطأ فله أجر.