أما الجانب الآخر بالنسبة للجعالة أي الجعال صحيح أنها من العقود الانفرادية أو من باب سلطان الإرادة المنفردة ولكنها في الأخير تصبح عقدًا مزدوجًا عقدًا يتكوَّن من شخصين أليس كذلك لما يقوم الشخص بذلك فحينئذٍ يكون تم العقد وأصبح لازمًا. ولذلك حينما كان كلامًا كان غير ملزم له الحق في الرجوع، لكن إنما يلزم إذا قام الشخص فحينما يقوم الشخص فاعتقادي أن القياس على الجعالة بالنسبة للوعد بالجائزة قياس ليس مع الفارق وإن شاء الله قياس مناسب وقياس قائم على العلة المناسبة. ووضعت بعض الضوابط وهي:
الضابط الأول: أن العقود التي تتم من خلال التليفون أو الراديو أو التلفزيون أو اللاسلكي يكون احتمال التزوير وتقليد الصوت والدبلجة التلفزيونية واردًا، ولذلك تسمع دعوى من ادعى ذلك، على عكس العقود العادية لا يسمع هذا إلا بأدلة، ولكنه يقع على من يدعى ذلك عبء الإثبات فنرجو من المجمع الموقر أن يشير إلى هذا الضابط، إن أراد.
الضابط الثاني: إن العقود بالتليفون ونحوه تصح فيما لا يشترط فيه القبض الفوري بدون إشكال. أما ما يشترط فيه القبض الفوري فإنما تصح بالتليفون إذا تم القبض بعد انتهاء المكالمة مباشرة كأن يكون لكل واحد منهما عند الآخر وكيل التسليم مثلًا أو نحو ذلك. فالعقود الربوية والأموال الربوية لا يتم فيها العقد بالنسبة للتليفون إلا مع هذه الضابطة، وهي ضابطة القبض والقبض مرجعه إلى العرف وطبعًا الشريعة الإسلامية شددت في القبض الفوري يدًا بيد في الأمور الستة.
الضابط الثالث: إن مجلس العقد بالتليفون ونحوه ينتهي بانتهاء المحادثة إلا إذا كان العقد - وهذا استثناء - يتم من خلال المزايدة، حيث ذهب المالكية إلى أن الشخص الذي يعرض رضاه بثمن معين في المزايدة فليس له حق الرجوع حتى ولو طال. وهذا الرأي في نظرنا يحقق المصلحة والتوازن والاستقرار. وقد بينت أسباب هذا الترجيح في داخل البحث.
أما بالنسبة لإجراء العقود بالوسائل الحديثة لنقل المكتوب مباشرة مثل البرقية والتلكس والفاكس فهو كحكم التعاقد بالكتابة سواء بسواء ولذلك ذكرنا الاتجاهات الثلاثة حول التعاقد بالكتابة ورجحنا اتجاه الموزعين الذين جعلوا الكتابة كالخطاب.
في قضية التعاقد بالبرقية أو التلكس لا بد من الإشارة إلى أن مجلس العقد ووقت تمامه وما يترتب على المجلس من خيارات لا بد من مراعاته فيما إذا تطرقنا إلى هذه المسألة وربما يلاحظ أو يعاد إلى القواعد العامة بهذا الخصوص.